التصنيفات
ahvalnews مقالات

دويُّ النحل… دويُّ النحل… | أحوال تركية

في شهر مارس الماضي قبلت دائرة المحكمة الجنائية العليا رقم 33 في إسطنبول لائحة الاتهام التي تم إعدادها بحق 16 شخصًا بينهم “عثمان كاوالا” أيضًا. ومنذ ذلك اليوم بذلت جهدًا كبيرًا من أجل قراءة تلك اللائحة. تناولتها أكثر من مرة، ولم أستطع أن أتقدم في قراءتها بأية حال بسبب الهراء الموجود فيها، وأخيرًا تركت قراءتها حين رأيت خريطة نحل في الصفحة رقم 301.

أنا لست محامية، ولكن ليس من الضروري للمرء أن يكون محاميًا كي يفهم مدى سخافة لائحة الاتهام هذه. كلمات متغطرسة غريبة مثل “جاسوسية التأثير والنفوذ” وقد كتب من أعدوا لائحة الاتهام هذه العبارة بخط كبير وواضح فيها؛ حيث تحمل اللائحة إشارات تعجب كثيرة، وادعاءات لا أساس لها من الصحة.

يبدو أن المدعين الذين كتبوا لائحة الاتهام اعتقدوا أن استخدام علامات تعجب كثيرة سيزيد من تأثير الادعاءات السخيفة. إنها لائحة اتهام غاية في الفظاظة يجب على الجميع قراءتها كي يفهم الوضع الذي وصل إليه القضاء في تركيا. حتى إنه يجب أن يتم تدريسها في كليات الحقوق في المستقبل كمحاضرة لبيان “صفة لائحة الاتهام غير السليمة”. حيث عُرضت فيها مكالمات هاتفية التقطت بالملقط من بين آلاف المكالمات، وتواريخ سفر الأشخاص وخروجهم إلى خارج البلاد وكأنها أعمال جاسوسية. وتحمل محاولة لإضفاء صبغة غير قانونية ومناخ ضبابي على كل أشكال الأعمال القانونية. إن لائحة الاتهام هذه خالية تماما من أي أساس وتقييم قانوني.

شيء آخر لفت انتباهي هو أن الأشخاص الذين أعدوا هذه اللائحة لا يفهمون “نبض” المجتمع المدني. ففي لائحة الاتهام هذه تم تعريف أشكال التظاهر مثل “العصيان المدني” كجريمة.

في حين أن أعمال العصيان المدني ليست جريمة في دساتير العديد من الدول بما في ذلك الدستور التركي، وفي أمكان عديدة من العالم تتعلم منظمات المجتمع المدني والعاملون فيها أعمال العصيان المدني، ويستخدمونها في أعمالهم متى لزم الأمر. لماذا؟ لأن السلطات يمكنها أن ترتكب أخطاء، والمواطنون أيضًا يستخدمون حقهم في النقد والمظاهرات من أجل ثنيهم عن أخطاءهم وتحذيرهم.

الأمر بسيط إلى هذا الحد! إن منظمات المجتمع المدني أيضًا يمكنها استخدام هذه الأساليب في سبيل أهدافها من أجل مجتمع أكثر ديمقراطية وحرية وتعددية. ناهيكم عن المجتمع المدني، إن أساليب الاحتجاج مثل “العصيان المدني” تُدرس وتُعلّمُ للطلاب في الكتب الدراسية في بعض البلاد. واستخدام حق النقد وأشكال التظاهر التي لا تلجأ إلى العنف، وأساليب الاحتجاج السلمية شرط لا غنى عنه بالنسبة للمجتمع الديمقراطي.

لن أستطيع أن أكتب كل الهراء والعبث الموجود في المكالمات التي وردت في لائحة الاتهام، فهذا الهراء كُتب من قبل أشخاص عديدين أساسًا.

وفقًا لتلك اللائحة يُتَّهم “عثمان كاوالا” بتمويل “صحوة” متنزه غيزي. دعونا نرى كيف فعل ذلك؟ يرد في الصفحات 173-174 من لائحة الاتهام أنه اشترى أقنعة غاز لحماية الناس، وأيضًا اشترى لهم الكعك والمخبوزات. تم تمويل أحداث غيزي بهذه الأشياء!! منذ متى كان شراء قناع من أجل حماية الناس من الغاز المبخوخ يعتبر جريمة؟ وفي أية مادة من مواد الدستور التركي كُتب أن شراء الكعك والمخبوزات للناس جريمةٌ؟

في موضع آخر من لائحة الاتهام ذُكر بالنسبة عثمان أنه “شخصية خاصة من نوعها”، أما بالنسبة لأحداث غيزي نفسها فلم أستطع العثور ثانية على الصفحة نفسها للتحقق منها في هذه اللائحة المكونة من 657 صفحة. أجل، عثمان شخصية فريدة من نوعها. هناك عدد قليل جدًا من الناس مثله على قيد الحياة. إنه يُعطي الأولوية لنفع الناس دائمًا. النضال الذي يخوضه من أجل المساواة والديمقراطية والحرية يمنح إيمانه بالمجتمع المدني والإنسان قوة إلى من بجواره.

عثمان شخصية خاصة من نوعها. قلة قليلة جدًا من الناس ممن هم في موقعه يواجهون كل هذه المخاطر ويعملون بجد كهذا من أجل تطور الديمقراطية والمجتمع المدني. ليست هناك مشكلة تقريبًا إلا وتدخل فيها عثمان بدءًا من القضية الكردية، إلى اللاجئين، والفن والثقافة، ومشاكل المثليين، وحقوق الطفل، وحقوق الأقليات. وهو يقوم بكل هذا بطريقة متواضعة، ويفعله باسم “نحن”، ويعمل في صمت.

كان يعمل أحيانًا في داخل خيمة في “وان” بعد الزلزال، وأحيانا في مدينة “آني” أو في معسكرات اليزيدين. عثمان كاوالا كان هناك عند الحاجة. لم يكن مجرد رجل طيب يركض لمساعدة الجميع، إنه في الوقت نفسه واحد ممن يعيشون وفقًا لمبادئ السلام والحرية والعدالة والمساواة التي يؤمنون بها، وكي تترسخ هذه المبادئ بصورة أكثر في الحياة الاجتماعية، واحد ممن تحملوا هذه المسؤولية الثقيلة في تركيا.

عثمان “كثير” للغاية على هذا البلد، على هذا المجتمع، إنه “كثير” علينا جميعًا.

توجد خريطة في الصفحة 301 من لائحة الاتهام، وقد كُتب على هذه الخريطة: “في الفحص الذي جرى لهاتف المشتبه به تم ضبط صورة فوتوغرافية ثبت أنه تم التقاطها بالهاتف المحمول للمشتبه به في تاريخ 27/02/2017، حيث أعيد فيها رسم حدود الجمهورية التركية عبر تفتيت وحدة أراضيها.”

الشيء الذي يسمونه الخريطة “الانفصالية” هو خريطة لتوزيع سلالات النحل مأخوذة من كتاب عن تربية النحل.

أجل، أجل، دبَّر عثمان “مؤامرة” غيزي بواسطة النحل! لأن النحل هو أساس الحياة. إذا مات النحل تنتهي الحياة. وعثمان مرتبط بالإنسان والحياة بكل إخلاص.

كنت أريد أن أضحك على لائحة الاتهام هذه، ولكنني لا أستطيع الضحك، إذ يغلبني البكاء. لأن عثمان معتقل منذ 559 يومًا، وكذلك “يغيت أقصقال أوغلو” الذي سمعت مرار وتكرارًا كم أنه إنسان قيم على الرغم من أنني لا أعرفه شخصيًا معتقل منذ 177 يومًا.

أريد أن أردد وأنا أصرخ بأعلى صوتي أغنية “دويُّ النحل، دويُّ النحل…” كما كنت أفعل في طفولتي.
لأن الشيء الوحيد الذي يجب قوله عن لائحة الاتهام هذه هو: دويُّ النحل، دويُّ النحل، دويُّ النحل .

 

يمكن قراءة المقال باللغة التركية أيضاً: