التصنيفات
ahvalnews مقالات

بأي وجه حق يطلب أردوغان أصوات الأكراد | أحوال تركية

لقد أصبح الأكراد مجددًا حديث الأحزاب السياسية في تركيا، كما هو الحال قبل كل استحقاقات انتخابية. فالأكراد يكسبون قيمة تفوق كل التصورات أثناء الانتخابات، لكن ثم يصبحون نسيًا منسيًّا!

لقد خاضت الأحزاب السياسية في تنافس شديد للحصول على أصوات حوالي 900 ألف من الناخبين المؤيدين لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي. حيث أعلنت حكومة حزب العدالة والتنمية رسميًّا أنها اتخذت قرارًا برفع الحظر المفروض بشكل تعسفي منذ 8 سنوات على لقاء زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون في سجن جزيرة إيمرالي عبد الله أوجلان بمحاميه. وكذلك تحدث زعيم حزب الحركة القومية عن إمكانية السماح بلقاء أوجلان مع محاميه، وذلك في سبيل استمالة قلوب الأكراد والحصول على تأييدهم في انتخابات إسطنبول التي ستعاد في 23 يونيو المقبل. في حين تطرق زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو بعد أشهر إلى قضية “أمهات السلام” الكرديات المدهوسات تحت أقدام القوات الأمنية لمجرد أنهن يبحثْن عن حقوق أبنائهنّ المغيبين قسريًّا من قبل الدولة. فيما صرّح رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو أنه سيعلن بيان حزبه الجديد من مدينة ديار بكر ذات الأغلبية الكردية. ولعلّه يريد أن يتفقّد بأم عينيه ما إذا أصبحت ديار بكر فعلاً  مثل مدينة طليطلة الشهيرة، كما تعهد بذلك عندما كان رئيس الوزراء!

يبدو أن رجال الساسة يعتقدون بضرورة التعاطف مع الأكراد في أيام الانتخابات، وإن وجّهوا إليهم سهام النقد والإهانة دون هوادة في سائر الأيام. لكن أكثر ما لفت انتباهي تلك الكلمات التي صدرت من فم الرئيس رجب طيب أردوغان عندما تحدث عن الأكراد والخدمات التي قدمها لهم، وذلك في بلدة سلطان بيلي الواقعة في الشطر الآسيوي من إسطنبول. حيث قال هناك: “نحن نشبع بطونهم، ونلبّي جميع حاجاتهم، ورغم كل ذلك لا يدعموننا في الانتخابات!”

هناك الكثير لنقوله إزاء هذه الكلمات المتعجرفة المخزية، لكن أودّ بادئ ذي بدء أن أقول شيئًا عن السلطان بيلي التي زرتها قبل 7 سنوات. لقد ذهبت إلى تلك البلدة من أجل زيارة العائلات الكردية التي هُجّرت إليها قسريًّا من بلدة تاطوان التابعة لمدينة وان الحدودية مع إيران. فقد أجبرت تلك العوائل على المغادرة من بلدتهم في منطقة كاوار إلى سلطان بيلي في ظروف بالغة الصعوبة، بعدما دُمّرت قراهم وقُتل أبناؤهم. ولم يكن من السهولة بمكان استقرارهم في هذه البلدة الجديدة بطبيعة الحال.  

تتوفر معلومات مفصلة عن هذه العائلات وهذه القرى في كتابي المسمى بـ”ذلك اليوم”. ولا تزال ترنّ في أذني تلك الكلمات التي قالها إحدى الأئمة الأكراد هناك. حيث قال متحسّرًا: “آه يا ابنتي! لقد أحرقوا قرانا وبلداتنا. مضى على قدومي إلى هنا أكثر من 20 عامًا، غير أنني لا أزال أتجوّل في منامي بجبال كاوار.”  

لقد واجه الأكراد دمارًا في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان بعد عام 2015 أكبر مما واجهوه في تسعينيات القرن المنصرم. ورغم ذلك نرى أن أردوغان يعبّر عن دهشته لتوجّه الأكراد إلى أحزاب أخرى بدلاً من حزبه ويتهمهم بـ”نكران الجميل”، وكأنه غافل عمّا وقع عليهم في ظل حكمه.

لا بد أن أنبّه عقول أولئك الذين يفكّرون بمثل أردوغان. قبل كل شيء يجب أن أؤكّد أن الأكراد، ولا أي شعب آخر يعيش في تركيا، ليسوا خرفانًا. لا يمكن للسياسيين أن يحصلوا على أصوات المواطنين، ولا يجدر بهم أن يطالبوهم بدعمهم لمجرد إشباع بطونهم؛ إذ لا يجلس هؤلاء الناس كسالى في منازلهم، بل يكدّون ويعملون، ومن ثم يدفعون الضرائب للدولة، من أجل إشعال المواقد في منازلهم وطهي طعامهم، والاستفادة من خدمات الصحة والتعليم، والعيش الكريم على أساس المساواة. فلا أحد ينفق من ماله الخاص لإشباع بطون المواطنين.

حسنًا، لماذا لا يصوّت الأكراد لحزب أردوغان رغم أنه “أشبع بطونهم”؟ فهل الأكراد منكرون للجميل يا ترى؟ ولنفهم ذلك يكفي أن نلقي نظرة على مسقط رأسي بلدة “سور” المدرجة ضمن التراث العالمي في ديار بكر، والتي وعدوا بتحويلها إلى مدينة طليطلة. لقد تم تدمير نصف البلدة أثناء حظر التجوال. دُمّرت معظم أحيائها بعد انتهاء العمليات الأمنية والعسكرية المنفّذة بدعوى مكافحة الإرهاب في 9 مارس 2016. وتكشف المعطيات أن أزيد من 30 ألف كردي فقدوا منازلهم وأصبحوا بلا مأوى واضطروا إلى الهجرة إلى أنحاء مختلفة من المدينة.

وإذا لم يكفِ ما تعرضت له بلدة سور لنتحدث عن مدينة شرناق التي تم هدم 70% منها بحيث كادت أن تنمحي من الخريطة كاملاً. لقد أنشأت مؤسسة إدارة التنمية السكنية (توكي) عمارات جديدة مكونة من 6 أو 12 طابقًا بعد تدمير المدينة. فضلاً عن أن عشرات الآلاف من سكان المدينة لم يتمكنوا من العودة إلى مدينتهم حتى اللحظة.

كما أن نصف كل من بلدات نصيبين ويوكسيكوفا، وثلاثة أحياء على الأقل من سيلوبي، وبعض أحياء بلدة إديل، أخذت نصيبها من الهدم والتدمير أيضًا، وبات عشرات الآلاف من المواطنين الأكراد بلا مأوى. أضف إلى ذلك أن الحكومة لم تقم بتعويض المتضررين رغم مرور ثلاث سنوات.

وفقًا لتقارير منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية، فإن حوالي 1500 شخص، بينهم 400 مدني، فقدوا حياتهم في فترة الاشتباكات. علاوة على ذلك، فإن قسمًا من المقتولين في الاشتباكات لم يتمّ الوصول إلى جثمانهم حتى الآن. ولو ذهبتم إلى مؤسسات الطب الشرعي في المنطقة لرأيتم كثيرًا من الأمهات الكرديات وهنّ يسعيْن للعثور ولو على أجزاء من جثمان أكبادهنّ. في حين أن بعض الموتى يرقدون في مقابر المشردين.

ومن المعلوم أن نظام أردوغان صادر إرادة الشعب الكردي في خريف عام 2016، إذ أقدم على فرض حراسات قضائية على 96 بلدية كردية من أصل 102 بلدية، بالإضافة إلى أنه أرسل رؤساء البلديات والنواب البرلمانيين الأكراد خلف القضبان الحديدية، كما تعرض أكثر من 10 آلاف من مؤيدي حزب الشعوب الديمقراطي للاحتجاز والاعتقال خلال ثلاث سنوات.

لا تكفي الصفحات لكتابة الجرائم التي ارتكبها الأوصياء المعينون على البلديات الكردية. حيث أعلنوا حربًا على كل ما يتعلق بالتاريخ والثقافة والرموز الكردية، لدرجة أن الأمر وصل إلى تغيير أسماء الشوارع وإغلاق المؤسسات الساعية إلى الحفاظ على الثقافة الكردية.  

أما عبارات التهديد والإهانة المكتوبة على جدران منازل الأكراد، فمن القضايا التي لا تغيب عن بالي أبدًا بوصفي كرديّة. ماذا كانت تتضمن تلك الكتابات؟ أكتب هنا بعضًا منها حتى يتذكرها الجميع مرة أخرى. “الدولة التركية هنا فأين الأوغاد؟! نحن فرقة أسد الله! يا بنات لقد جئنا إليكم لكنكنّ غائبات! سترون قدرة الترك! وما شابهها من العبارات المخجلة.   

فضلاً عن كل ذلك، فإن بطون الأكراد لم تشبع أصلاً! إذ فقد الأكراد خلال السنوات الأربع الماضية منازلهم وأعمالهم، وتعرضوا لمزيد من الفقر والمسكنة. والأهم من ذلك أنهم فقدوا أبنائهم جراء العنف الرهيب الذي مارسته عليهم هذه الدولة.  

 نصيحتي لأولئك السياسيين الذين وضعوا عيونهم على الأصوات الكردية هي أن يعيروا سمعهم لمطالب المواطنين الأكراد. نحن كذلك نريد من صميم قلوبنا أن يكون شيئاً جميلاً ورائعًا. لأننا نعاني من التعب والإرهاق منذ عقود، ونحتاج بشدة إلى الأمن والسلام والطمأنينة والأشياء الجميلة. غير أننا نعلم في الوقت ذاته أن أي شيء لن يكون جميلاً في هذا البلد إذا إذا تمتعنا جميعًا بالحرية، وتمكنّا من التعبير عن آرائنا وأفكارنا على أساس المساواة، ومن الحفاظ على كينونتنا وهويتنا الذاتية!

 

يمكن قراءة المقال باللغة التركية أيضاً: