التصنيفات
ahvalnews مقالات

إنهاء الحوار مع الأكراد لا يوقف حمام الدم بتركيا | أحوال تركية

“بغض النظر عن التداعيات، عليك أن تتحدث؛ لا يجب أن تتوقف عن التواصل؛ يجب عليك دائما أن تجد أناسا يمكنك التحدث إليهم وبينهم. لقد حاولنا أن نستخدم كل فرصة للحوار. وغياب الحوار يشجع من يريدون العنف، بينما السلام يحتاج تحمل المخاطر”.

كانت تلك هي كلمات وزير الخارجية الأيرلندي السابق ديرموت أهيرن الذي التقيت به خلال رحلة عمل إلى دبلن نظمها معهد التقدم الديمقراطي في أوائل عام 2016. وكان أهيرن كثيراً ما يؤكد على أهمية الحوار.

لكن بدلاً من خوض حوار، يتنافس الساسة في تركيا مع بعضهم البعض على الاستفادة من موت الناس. ولسوء الحظ فإنهم بعيدون عن أن يكونوا رجال دولة وأن يتصرفوا بمسؤولية تجاه المجتمع والأجيال القادمة.

فمن ناحية، هناك حكومة تحاول حصد المزيد من الأصوات من حرب مع حزب العمال الكردستاني، وأن تعزز سلطتها بالقوة والوحشية. ومن ناحية أخرى، هناك معارضة تجادل بشأن حضور مناسبات العزاء من عدمه بدلاً من أن تطرح استراتيجية للحيلولة دون موت المزيد. فلا تتحدث اي من الحكومة أو المعارضة عن منع موت هؤلاء.

منذ صيف عام 2015، عندما انتهت عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني، فقدت هذه الأرض أكثر من ثلاثة آلاف من أبنائها وبناتها. هذه الأرقام مصدرها منظمات حقوق الإنسان، وهناك حالات وفاة لا نعرف بأمرها ولا تشملها الإحصاءات.

تعرضت بعض المدن والأحياء الكردية في جنوب شرقي تركيا إلى الدمار. وتعرض 70 بالمئة من شرناق ونحو نصف نصيبين وسور ويوكسكوفا للإبادة. تفرقت الأسر وفقد مئات الآلاف من الأكراد منازلهم؛ وما زال هناك أشخاص يعيشون في خيام في قرى شرناق.

ونشر فرع جمعية حقوق الإنسان (آي.إتش.دي) في ديار بكر تقريراً حول انتهاكات حقوق الإنسان في شرقي وجنوب شرقي تركيا خلال الأشهر الستة الأخيرة. ووفقا للتقرير، جرى الإعلان عن مناطق أمنية خاصة في أربع مراكز مدن و15 حيا.

وشهدت 282 قرية وحي في 12 مدينة شرقي وجنوب شرقي تركيا إعلان حظر تجول عسكري 16 مرة؛ كما فقد 51 من ضباط الأمن أرواحهم وجُرح 85 في المنطقة؛ وفقد 132 من مسلحي حزب العمال الكردستاني أرواحهم أيضا، بينما جُرح ما لا يقل عن ثلاثة من المسلحين.

ولقي مدني حتفه بعدما وقع في مرمى النيران، بينما جُرح مدنيان. وخلال هجمات لحزب العمال الكردستاني، قُتل شخص وجرى اعتقال شخصين وقتلهما في وقت لاحق. وفي مدن المنطقة، قتل طفلان بسبب انفجار لغم وقنبلة.

وقُتل ثلاثة أشخاص – طفلان وذكر – على يد مهاجمين غير معروفين. ولقي شخصان حتفهما، بينما جُرح أشخاص بينهم طفلان نتيجة لحوادث اصطدام بعربات مدرعة. وفقد أربعة جنود وضباط شرطة أرواحهم في ظروف مريبة، وهناك مزاعم بأنهم انتحروا.

وجُرح خمسة أشخاص، بينما توفي شخص في هجمات لم تتوصل التحقيقات إلى أي شيء بشأنها. وفقد سبعة أشخاص أرواحهم، بينما جُرح 104 بسبب أخطاء وإهمال من جانب السلطات. ويشمل التقرير قوائم بأعداد من تعرضوا للتعذيب أو سوء المعاملة أو الاعتقال وغير ذلك من أصناف انتهاك حقوق الإنسان.

وخرجت الأسبوع الماضي أكثر من عشر جنازات لأعضاء في حزب العمال الكردستاني، وتلك هي فقط الجنازات التي لدي علم بها. جرى دفن هؤلاء الناس في صمت. والأسبوع الماضي قُتلت أمٌ ورضيعها في انفجار قنبلة يُزعَم أن حزب العمال الكردستاني فجرها. وتسابق معظم الناس في تركيا على إدانة الحادث بدلا من محاولة الحيلولة دون سقوط المزيد من القتلى.

وكلما كانت الإدانة أقوى زادت الإشادات بها. ونشرت الصحف رسائل عزاء ومواساة. وبعد الحادث، لم يهتم أحد لأمر شهادات الشهود، اللهم إلا القليل من منافذ الإعلام البديل.

وفي متابعتها للحادث، قالت وكالة أنباء النهرين إن المنطقة التي فقدت فيها نورجان كاراكايا ورضيعها حياتيهما كانت مقصورة على السيارات المدنية. وكانت هناك ثلاث قواعد عسكرية وقسم للشرطة على مقربة وكان باستطاعة قسم الشرطة مراقبة المنطقة 24 ساعة يوميا.

واقتيد بعض القرويين الذين تحدثوا لوسائل الإعلام حول الحادث إلى مركز الاحتجاز. وقال قرويون اجتمعوا مع وفد حزب الشعوب الديمقراطي الداعم للأقليات إنهم كانوا خائفين وتعرضوا للتهديد. وقبل أيام قليلة، أعد حزب الشعوب الديمقراطي وجمعية حقوق الإنسان ومنصة محامين من أجل الحرية تقريراً حول الحادث وطالبوا بلجنة برلمانية للوقوف على الحقائق.

وليس من الصعب التكهن بنتيجة هذا الطلب؛ فمن المحتمل أن تُطمس الحقيقة من جديد.

لقد ظل “السلام” أمراً مذموماً لزمن طويل في هذا البلد. ويتناقص عدد الأشخاص الذين يتحدثون عن السلام يوما بعد يوم؛ فالأسهل أن تصب غضبك على العدو، وأن تتسابق لاتهام الآخرين بالإرهاب.

إذاَ، فماذا نفعل؟ هل علينا أن نتوقف عن المطالبة بالسلام لأننا خائفون، ولأن هذا أمر صعب ولأنهم يعاقبوننا؟

هل سيوقف التسابق على الإدانة حمام الدم؟

لا! فلا الموت، ولا الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ستنتهي. ومنذ أن انتهت عملية السلام، وتركيا تسير في طريقها نحو الاضطرابات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

إن البطش والوطنية الجوفاء لن ينقذا أرواح الشباب أو الاقتصاد. وما لم يترسخ السلام مع الأكراد، ستنهار تركيا. والأحزاب السياسية والمجتمع المدني والكل ساكت عن هذه القضية؛ فلا أحد يريد أن يعالج المشكلة من جذورها، أو حتى أن يتحدث عنها. لكن الحقيقة لا يمكن إخفاؤها، وستظهر للجميع لا محالة.