التصنيفات
ahvalnews مقالات

تركيا تبيع قصة عن اللاجئين والاتحاد الأوروبي يشتريها | أحوال تركية

قبل أن يوقع الاتحاد الأوروبي وتركيا في عام 2016 اتفاقاً لتقليص أعداد اللاجئين السوريين المتجهين إلى أوروبا مقابل مساعدات لمن فروا من الحرب قاصدين تركيا، كنت ضمن مجموعة من الأكاديميين والنشطاء الذين يعملون على قضايا اللاجئين في تركيا، دُعِيَت إلى زيارة ألمانيا من أجل مناقشة الموضوع.

جلسنا مع ساسة من ألمانيا والاتحاد الأوروبي في اجتماعات مغلقة لمناقشة وضع مخيمات اللاجئين في تركيا. وشملت قائمة الموضوعات التي كانت مطروحة على أجندتنا إمكانيات تركيا التي تؤهلها لأن تكون بلداً ثالثاً آمنا، فضلاً عن إدارة المخيمات التي تتولاها هيئة إدارة الكوارث والطوارئ التركية، وبما في ذلك غياب الشفافية والرقابة في تلك المخيمات.

وكان من بين الموضوعات الأخرى التي طُرحت للنقاش وضع اللاجئين الأيزيديين، الذين وصلت أعدادهم إلى 20 ألف شخص في ذلك الوقت. وتركز الاجتماع بشكل أساسي على تحديد ما إذا كانت تركيا ستصبح شريكاً جديراً بالثقة للاجئين. وأشارت المعلومات التي قدمها خبراء من تركيا بوضوح إلى أنها لن تكون كذلك.

وعلى الرغم من جميع المخاوف بشأن وضع اللاجئين في تركيا، رأيت في ذلك اليوم أن السلطات في ألمانيا والاتحاد الأوروبي عازمة على تمرير هذا الاتفاق. 

خلال الاجتماع، رأيت بوضوح كيف أن الاتحاد الأوروبي كان يعرف بوضع اللاجئين السيّئ في تركيا، لكنه فضل أن يغض الطرف لكي يتجنب أن يضطر للتعامل مع المشاكل بنفسه. لقد كانت تركيا تبيع قصة عن اللاجئين، وكان الاتحاد الأوروبي يتطلع لشراء تلك القصة.

مرت سنوات منذ ذلك الاجتماع، ولم يطرأ أي تحسن على وضع اللاجئين في تركيا؛ واليوم، يعيش 235 ألفا فقط من أصل ثلاثة ملايين لاجئ في مخيمات، بينما ينتشر العدد المتبقي في أنحاء المدن التركية ويعتنون بأنفسهم، إذ لا يمنحهم وضع “الحماية المؤقتة” الكثير من الحماية على الإطلاق. وهم يتعرضون لكل صنوف التمييز والعنف؛ كما أنهم عرضة لظروف عمل بشعة، حتى إن هناك أقاويل عن استغلال لاجئات في بعض ورش المنسوجات.

واللاجئون المقيمون في مخيمات أفضل حالا. وهناك مزاعم منتشرة عن ممارسة استغلال جنسي في تلك المخيمات؛ لكن ليس مسموحاً لأحد دخول تلك المخيمات سوى المنظمات غير الهادفة للربح المقربة من الحكومة.

وانتشرت مزاعم الأسبوع الماضي عن أنه تم استغلال لاجئات يعشن في مخيم تل حمود بمدينة جيلان بينار في محافظة شانلي أورفا رغماً عنهن.

وهناك مزاعم عن أن مسؤولي المخيم يستغلون لاجئات مقابل ضروريات الحياة اليومية مثل الحليب والطعام، التي تحتاجها النسوة لإطعام أطفالهن. وفي السادس عشر من أغسطس، شكلت بعض الناشطات وفدا لزيارة المخيم والتحقيق في الموضوع.

لكن قوات الأمن لم تسمح للوفد بدخول المخيم. وللإعلان عن ذلك الرفض، عقد الوفد مؤتمراً صحفياً. وبينما دفع رد فعل الرأي العام، والتسجيلات المصورة التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي حول الاستغلال الجنسي في المخيمات، كبير ممثلي الادعاء في جيلان بينار لفتح تحقيق، جُعل ذلك التحقيق سرياً.

ولا يقتصر هذا الوضع السيئ على السوريين، ولكن يشمل جميع مجموعات اللاجئين في تركيا. والأيزيديون هم من بين المجموعات التي تعد في أسوأ وضع. فقد أُغلق مخيم فيدانليك في ديار بكر بموجب قرار حكومي، وقد كنا عملنا جاهدين لتأسيس ذلك المخيم. وأُجبر الأيزيديون الذين كانوا يعيشون في المخيم على الرحيل، وعاد الكثير منهم إلى العراق، بينما تمكن القليلون من الفرار إلى أوروبا. وقد فقد البعض أرواحهم في بحر إيجه.

ووُضع ما بين ألف وألف و300 أيزيدي ممن لم تكن لهم وجهة يقصدونها في مخيم بمدينة مديات. ومنذ ذلك الحين، باتت معرفة أخبار الأسر الأيزيدية أمراً صعباً. والأسبوع الماضي، جرى الإعلان عن أن مخيم مديات سيُغلَق بعد العيد هذا الأسبوع وعن أن الأيزيديين الموجودين في المخيم سيتم نقلهم إلى مخيمات في غازي عنتاب وكلس.

وقالت الأسر الأيزيدية التي اتصلنا بها إنها لا تريد الذهاب إلى هذه المخيمات لأنها تخشى من إعادة توزيعهم على مدن ومخيمات يرون أنها مراكز يهيمن عليها تنظيم الدولة الإسلامية والجيش السوري الحر. 

وهؤلاء في وضع بائس، حيث لا وجهة يقصدونها. وعلى الرغم من أن الكثيرين منهم تقدموا للحصول على حق اللجوء في أوروبا، فإن العملية ما زالت جارية. وسيستغرق الأمر شهوراً، بل وحتى سنوات للنظر في طلباتهم. في الوقت ذاته، ما الذي من المفترض بهم أن يفعلوه؟ وأين يُفترض بهؤلاء الأيزيديين أن يذهبوا؟

فمنذ اليوم الذي فروا فيه إلى تركيا، واجه الأيزيديون كل أشكال التمييز. وقد كانوا من آن لآخر يصبحون هدفاً لخطاب الكراهية من جانب مسؤولين حكوميين، بما في ذلك الرئيس رجب طيب أردوغان نفسه. ولم يحصل هؤلاء أبداً على الوضعية المؤقتة التي تسمح لهم بالحصول على خدمات طبية، كما لم يحصلوا على أي نوع آخر من الدعم.

وجرى إغلاق المخيمات التي أسستها البلديات الكردية في جنوب شرقي تركيا. وحتى عندما كانت مفتوحة، لم تكن تتلق أي دعم من الحكومة المركزية.

في ذلك الوقت سألت مسؤولين في الاتحاد الأوروبي لماذا يغضون الطرف عن حقيقة أن الأموال التي يرسلونها تُستخدم للتمييز بين مجموعات اللاجئين. ولا يقتصر الأمر على دول الاتحاد الأوروبي، بل إن المنظمات الدولية هي الأخرى غضت طرفها. وتمكنت المخيمات التي أسستها البلديات من البقاء مفتوحة فقط بفضل الدعم الذي تتلقاه من المجتمع المدني والعوَام.

وظلت المنظمات غير الهادفة للربح والنشطاء والساسة يحاولون لسنوات الحصول على تصاريح لدخول مخيمات مديات. لكن لسبب ما، ترفض الحكومة السماح لأي شخص بدخول هذه المخيمات. والأيزيديون منعزلون تماماً. وكان من المنتظر أن يزور نواب برلمانيون ينتمون لحزب الشعوب الديمقراطي المعارض الموالي للأكراد مخيمات مديات للاجئين الأسبوع الماضي، لكن زيارتهم أُلغيت.

نحن نتحدث عن مخيمات، لا يمكن لأعضاء البرلمان حتى أن يدخلوها. ويجب أن أتساءل هنا، كيف يمكن لمنظمات تابعة للاتحاد الأوروبي تقدم المال لهذه المخيمات أن تسمح باستمرار هذا الوضع دون التصدي له.

لماذا لا يسألون عن السبب في عدم فتح هذه المخيمات للتفتيش؟ أتخيل أنه من الصعب بالضرورة إيجاد مبرر يجعل حكومة ما تمنع منظمات المجتمع المدني والساسة والنشطاء من دخول مخيمات اللاجئين.
والحقيقة هي أن المنظمات التابعة للاتحاد الأوروبي والحكومات تعلم كل شيء. فتركيا تبيع قصة عن اللاجئين، والاتحاد الأوروبي يشتري تلك القصة.