التصنيفات
مقالات

دورُ الأكراد في المعادلة السياسية التركية

ريها روهافي أوغلو، اسم يعرفه عن قرب كل من يخوض كفاحًا ونضالًا من أجل حقوق الإنسان في المنطقة الكردية. ولقد تقلد العديد من المناصب في جمعية “مظلوم- در” طيلة سنوات طوال. والعام الماضي بعد حل الجمعية المذكورة كان واحداً ممن تركوها وغيروا وجهتهم لمكان آخر. وهو الآن يواصل نضاله من أجل الحقوق ضمن كيان يسمى “مبادرة الحقوق”.
والشهر الماضي كان أحد مؤسسي شركة أبحاث للرأي العام تسمى “راويست” في ولاية ديار بكر. وفي هذه المقابلة تحدثنا معه حول نضاله من أجل الحقوق، وآخر استطلاعات الراي التي أجرتها شركة “راويست” بخصوص الانتخابات البرلمانية المقبلة في تركيا، وبالتأكيد تحدثنا معه كذلك عن الأكراد ودورهم في المعادلة السياسية التركية، وكان حوارنا معه على النحو التالي:

ريها، دعنا بداية نتعرف عليك، فهل أنت من أبناء هذه المنطقة؟
أنا من ولاية شانلي أورفا، وقد قدمت إلى ولاية ديار بكر في العام 2010، وبدأت في تلك الآونة وبشكل منفرد في كتابة العديد من المقالات التي اتخذت من الدفاع عن الحقوق موضوعًا لها. وبشكل أدق فإن مجزرة قرية روبسكي التي وقعت بولاية شرناق عام 2011، كانت هي الدافع الرئيس لمثل هذه الكتابات. هذه المجزرة التي راح ضحيتها 34 مدنيًا أغلبهم من الأطفال في قصف للقوات الجوية التركية. كنت أكتب طلبًا لتحقيق العدالة من أجل قرية روبسكي. وفي هذا الصدد أسسنا مع جمعية “مظلوم- در”، ما يعرف باسم “منتدى العدالة من أجل روبسكي”.

وهل ما زال “منتدى العدالة من أجل روبسكي” مستمرًا؟
لا، كتبنا من خلال هذه المنتدى 34 رسالة، وقمنا بعدد من الفعاليات في مدن مختلفة. لكن سرعان ما انتهت هذه الفعاليات في وقت لاحق. غير أنه يتعين علينا الآن أن ندشن فعاليات جديدة من أجل إحياء قضية “روبسكي” من جديد. وهذا ما نتحدث فيه بيننا في الوقت الراهن. كل ذلك يأتي في إطار المساعي التي أقوم بها للدفاع كما ينبغي عن حقوق الإنسان في تركيا، وذلك من خلال “مبادرة الحقوق”.

سبق وأن أسست شركة “راويست” لاستطلاعات الرأي، فماذا كان الداعي لذلك؟
هذه الشركة موجودة منذ العام 2017، لكن لم تكن لها أية صفة اعتبارية طيلة عام كامل، كنا حريصين فيه مع عدد من أصدقائي على اختبار مدى قدرتنا على القيام بهذا الأمر. ولقد سبق وأن أجرينا استطلاعًا للرأي في استفتاء 16 أبريل 2017، وذلك في 16 مدينة بالمنطقة، وكان لتوقعاتنا صدى كبير لدى الناخبين. والهدف من كل هذا هو المشاركة في صياغة وتشكيل الوعي العام لدى الناس لتعريفهم بحقوقهم.

في حدود معرفتي سيشمل نشاط شركتكم المنطقة الكردية بأكملها، أليس كذلك؟
نعم هذه الشركة ستشمل بشكل مكثف المنطقة الكردية. وأثناء تأسيسنا هذه الشركة دار بيننا حوار حول ما نسعى لتأسيسه “أمنظمة مجتمع مدني أم شركة أبحاث حول الرأي العام من أجل تشكيل الرأي العام التركي بشكل صحي”.
وفي نهاية المطاف وصلنا لنتيجة مفادها أن في المنطقة العديد من منظمات المجتمع المدني، منها من له اعتبار، ومنها من يفتقد ذلك، وبالتالي أدركنا أن هناك حاجة ماسة لشركة أبحاث خاصة باستطلاعات الرأي فأسسنا شركتنا..
ولا شك أن هدفنا هو إنتاج أعمال موثوقة على درجة عالية من الكفاءة والعقلانية، وتقديم معلومات موضوعية تساهم في إنتاج السياسة للرأي العام التركي.
وخلافًا لشركات سبر الآراء التي تتخذ من مدينتي أنقرة وإسطنبول مقرًا لها، قمنا بجعل مقر شركتنا في المنطقة الكردية.

من المؤكد أن هناك كثيرًا من النواقص التي تعتري الأبحاث التي تجرى من الخارج بخصوص المنطقة الكردية، وتشتمل على مغالطات كبيرة، وهذا لا شك مرده إلى أن القضية الكردية في مجملها لا يتناولها إلا من يشعر بها، وبالتالي من يتناولها من الخارج لا يشعر بها كما ينبغي، فما رأيكم في هذا ؟
نعم، بكل تأكيد أوافقكم الرأي في هذا، فقد باتت المنطقة بالنسبة لشركات الأبحاث الخارجية، عبارة عن منطقة تجارب. تلك الشركات التي لا تتعامل مع المنطقة بالشكل اللائق، إذ يأتي الباحث من هؤلاء ويجمع معلومات على عجل يقوم على إثرها بإجراء دراسة غير موضوعية بالمطلق، وتفقد مصداقيتها. إذ أن مثل هذه الدراسات تحتاج أناسًا مقيمين بالمنطقة وعلى دراية بكل تفاصيلها وتركيبتها الديمغرافية.
ونحن كشركة نعاني حاليًا من صعوبة إحاطة شمال كردستان علمًا بجنوبها، وجنوبها بشمالها، لا سيما في تلك الآونة التي تشهد أجواءً انتخابية مبكرة استعدادًا لانتخابات 24 يونيو. تحدونا رغبة لنعرف كل شيء عن بعضنا البعض كأكراد.

هل نحن كأكراد لا علم لنا ببعضنا البعض؟
في حقيقة الأمر نحن لا نعرف بعضنا البعض بشكل جيد، فـأهالي الشمال لا يعرفون جيدًا أهالي الجنوب، وكذلك العكس. فحتى العام 2012 لم يكن أحد خارج بلدة “سروج” بولاية شانلي أورفا، يعرف شيئًا عن “كوباني”. والأن إذا سألنا عن أكبر أربعة أحزاب في برلمان جنوب كردستان فلن نجد إجابة عند الكثير من الناس.

وحدة الأكراد لا شك أمر مثير للجدل، فكما تعلم أن الفرقة زادت بين الأكراد بشكل كبير بعد الاستفتاء على انفصال جنوب كردستان عن العراق. وانتشرت على إثر ذلك مقولة مفادها إن “الأكراد ليسوا بحاجة إلى أعداء غير أنفسهم”، فمن وجهة نظرك ما هي الأسباب الرئيسة لعدم تحقق الوحدة بيننا ؟

من المؤكد أن السبب الرئيس في ذلك هو أن الحركات السياسية التي تتبنى القضية الكردية لديها الأولويات الخاصة بها، والتي لا يمكن أن تتناول عنها. تلك الحركات التي تتصارع فيما بينها حينما تملك بأيديها أسباب القوى، وتنادي بالوحدة حينما تحل بها كارثة أو تفقد قوتها. وخير مثال على ذلك ما حدث في أحداث كوباني الأخيرة والمواقف المتعارضة التي تبنتها قوات البيشمركة من جهة، وقوات وحدات حماية الشعب الكردية من جهة أخرى.

كما تعرف فإن الأحزاب السياسية في شمال كردستان لم تحقق أي تحالف فيما بينها من أجل الانتخابات المقبلة، فكيف تقيمون ذلك؟
كان يتعين على تلك الأحزاب أن تتحد فيما بينها وإن اختلفت إيديولوجياتها. فالموقف يستدعي ذلك؛ لا سيما أن حزب الشعوب الديمقراطي يخوض ذلك الاستحقاق الانتخابي. كان يجب أن يؤسس تحالف بين تلك الأحزاب على اختلافها كما يحدث في الدول الغربية من تعاون بين اليسار واليمين.
لكن على عكس ما تقتضيه المرحلة نجد أن حزب “حق بار” يخوض الانتخابات بعدد من المرشحين المستقلين، وثمة أحزاب أخرى مثل “آزاد”، و”PSK”، و”خدابار” لم يشكلوا أية تحالفات فيما بينهم.

دعنا الآن نتحدث عن استطلاع الرأي الذي أجرته شركتكم بخصوص انتخابات 24 يونيو، وهذه الدراسة شملت العديد من المحافظات مثل باطمان، وديار بكر، وبينغول، وبيتليس، وحكاري، وقارص، وماردين، وموش، وسيرت، وطونجالي، وأورفه، وفان، وكانت النتائج مثيرة، فهلا تحدثت عنها؟
كي تعطيكِ أية دراسة نتائج إيجابية يجب أن تشتمل على كافة أطياف المجتمع من العاملين، والعاطلين، وكذلك ربات البيوت، والمتعلمين وغيرهم ممن لا يعلمون شيئًا عن السياسة وأحوال المناطق التي يعيشون فيها. هذا الخليط من المشاركين في التصويت سيقدم لك نتائج تعبر عن الواقع بشكل سليم. و51 في المئة ممن شاركوا في هذه الدراسة قالوا إنهم لا يعملون في أي مكان، وهذا رقم كبير. سيكون له انعكاسه على نتائج الدراسة ذاتها، فمن لا يعمل ولديه صعوبات اقتصادية ستكون تلك الأزمات أهم عنده من حديثه بلغته الأم. لكن الشيء الذي أثق فيه أن القضية الكردية مهمة للغاية عند الجميع.

هلا تحدثت إلينا عن البعد الاقتصادي للدراسة التي أجرتها شركتكم؟
الناس يتعرضون لظلم وغبن كبيرين بسبب ما شهدتها المناطق الكردية من اشتباكات وعمليات عسكرية خلال السنوات الأخيرة. وآن الآوان لتضميد الجراج التي تسببت فيها تلك الأعمال. لكن هيهات.. لا حياة لمن تنادي.. لا أحد يقوم بذلك.
كما أن الناس بحسب النتائج ينتظرون من الحكومة إعادة تأهيل الاقتصاد، ومساعدتهم في التغلب على المآسي التي تعرضوا لها، لا سيما بعد أن تهدمت منازلهم. لكن الدولة لا تفعل شيئًا في هذا الصدد. لا سميا في ظل ارتفاع معدلات البطالة في المنطقة لثلاثة أضعاف، وتراكمت الديون على الناس. ولا شك أن كل هذه التطورات من شأنها عرقة حل القضية الكردية.

ما أثار دهشتي في الدراسة التي أجريتموها، هو السؤال المتعلق بالاستفتاء على النظام الرئاسي الذي شهدته تركيا والذي كان نصه “إذا أُعيد الاستفتاء مرة ثانية أي خيار ستصوت له؟”، فهل تحدثت عن ذلك ؟
نسبة من قالوا “صوتنا بنعم وسنصوت مجددًا بنعم” 34 في المئة، ومن قالوا “صوتنا بلا وسنصوت مجددًا بلا” بلغت 42.6 في المئة، أما نسبة المترددين فبلغت 17.4 في المئة، ومن قالوا “صوتنا بنعم وسنصوت مجددا بلا” فبلغت نسبتهم 3.4 في المئة، ونسبة من قالوا “صوتنا بلا وسنصوت مجددًا بنعم” 1.5 في المئة.

هل سينجح حزب الشعوب الديمقراطي في تخطي العتبة الانتخابية خلال الانتخابات المقبلة ؟
هناك حقيقة مفادها أن حزب الشعوب الديمقراطي يواصل صعوده، والعدالة والتنمية يواصل هبوطه. ونهاية الأسبوع الجاري سنقوم بإجراء استطلاع رأي سيوضح لنا بشكل جلي الفرق بين الحزبين. لكن مع هذا ثمة مخاوف كبيرة بشأن عدم قدرة ذلك الحزب في تخطي العتبة الانتخابية.
ولعل وراء ذلك عدة أسباب منها حالة الطوارئ المعلنة في تركيا منذ نحو عامين، وذلك السياسة التي يتبعها حزب العدالة والتنمية ضد الشعوب الديمقراطي بشكل لا يجعل الأخير يلتقط أنفاسه.