ديار بكر- محمد قايا هو أحد رجال الأعمال الذين ترجع أصولهم إلى ديار بكر بتركيا، سبق أن تعرَّفنا على محمد قايا منذ فترة زمنية بعيدة؛ فقد ساهم – خلال فترة رئاسته للغرفة التجارية والصناعية عن منطقة ديار بكر – في تنفيذ بعض المشروعات التنموية هناك. شارك محمد قايا كذلك في السنوات الأخيرة بالعديد من الاستثمارات في مجالات الصيدلة، وصناعة الدواء، والتعليم.
عُرِف عن محمد قايا هويته الاجتماعية المدنية، حيث ترأس مجلس إدارة مركز دجلة للدراسات المجتمعية الذي أُنشئ في عام 2014، الذي يضم عددًا من الأكاديميين، والصحفيين، والسياسيين، والمثقفين من أبناء المنطقة.
جاء محمد قايا في الصفوف الأولى بين مرشحي المجتمع المدني في انتخابات الغرفة التجارية والصناعية عن منطقة ديار بكر التي ستجري في الأيام القليلة المقبلة.
تحدَّثنا معه عن أحداثٍ وقعت في التسعينيات؛ أي منذ عشرين عاماً. حاول كلا منا أن يستمد الأمل من الآخر، ونحن نحتسي كوبًا من الشاي بعد عشرين عاماً من الأيام السوداء التي نعيشها الآن، ونشعر فيها بمرارة الحسرة…
يعرف الجميع هويتكم الاجتماعية المدنية. بالإضافة إلى هذا، فأنتم أحد رجال الأعمال المعروفين في منطقة ديار بكر.
من هو محمد قايا؟.
ببساطة، أنا رجل أعمال قضى حياته – إذا استبعدنا فترة دراستي- في منطقة ديار بكر. كما أنني عملت في الوقت نفسه منذ سنوات دراستي الجامعية في أعمالٍ لها علاقة بالمجتمع المدني؛ حتى صار الأمر بالنسبة إليَّ ركناً أساسياً في حياتي.
ترأَّست مجلس إدارة الغرفة التجارية والصناعية عن منطقة ديار بكر في الفترة بين 2005-2008. ومن قبل، قمت برئاسة غرفة الصيادلة لمدة ستة أعوام. أدَّت هذه المؤسسات أدوارًا كثيرةً من أجل تطوير الدولة والنهوض بالمدينة. كما وقفتْ – جنبًا إلى جنب – مع مؤسسات المجتمع المدني التي وقفتْ في وجه العنف والانتهاكات التي تطال حقوق الإنسان في تلك المنطقة.
نعم، لقد أدَّت الغرف الصناعية والتجارية، بالإضافة إلى مؤسسات أخرى مثل التي تحدَّثتم عنها دورًا عظيماً من أجل تحقيق السلام، والديموقراطية، والعدل. هل تتفق معي في أن اضطلاع مثل هذه المؤسسات بأدوارٍ من قبيل تحقيق السلام يُعد أمرًا غريبًا بعض الشيء من وجهة نظر الغرب؟.
للأسف، يعتقد البعض أن مجال عمل الغرف التجارية والصناعية إنما ينصب في الأساس على الشق الخاص بالتجارة فحسب، دون التطرق لموضوعات أخرى مثل توفير المناخ السلمي المناسب لهذه الأعمال؛ كي تتم من خلاله. وهذا طرحٌ خاطئ – من وجهة نظري – لأن رأس المال جبان؛ لا يجتمع في مكان به حروب. أعتقد أنكم ستضعون موضوع السلام على قمة أولوياتكم، إذا قُدِّر لكم وترأَّستم مؤسساتٍ مثل التي نتحدث عنها الآن.
عندما نتحدث مع المستثمرين، ونطلب منهم أن يأتوا إلى المنطقة، وأن يستثمروا فيها، فلا تجد فيهم من مستجيب! هل هناك مناخ مستقر، أو آمن كي يأتوا؟” من هنا ينبغي أن يكون للغرفة التجارية، والصناعية في ديار بكر دور داخل هذه العملية. وهذا ليس بالأمر الغريب؛ فهناك العديد من النماذج المشابهة التي رأيناها على مستوى العالم بدءاً من جنوب أفريقيا وصولًا إلى كولومبيا، التي تشارك فيها مؤسسات المال والأعمال بدورٍ فعالٍ ونشطٍ في إرساء عملية السلام هناك.
تسعى مؤسسات المال والأعمال إلى أن تحقق حجمًا كبيرًا من الصادرات للدولة. ولا يخفى على أحدٍ مدى الارتباط القائم بين تلك الصادرات، ومعالجة عناصر أخرى تتداخل معها مثل البطالة، والحالة الاقتصادية في البلاد. من أجل هذا، يتعين على الغرف التجارية والصناعية، والمؤسسات التجارية الأخرى، إذا توفرت لديها الرغبة الصادقة في النهوض بمعدل الاستثمار، والتجارة، والاقتصاد في هذا البلد، أن تضع موضوع إحلال الأمن والاستقرار على قمة أولوياتها.
ظللنا نردد الجمل نفسها في التسعينيات؛ كنا نقول “لا يمكن العمل في ظل هذه الظروف، لا يمكن للمستثمر أن يأتي دون تهيئة سلة من المُحفِّزات الاقتصادية التي تدفعه لذلك”. دعونا نلقي نظرة على الأعوام الثلاثين الأخيرة؛ كم عدد المستثمرين الذين جاءوا إلينا من خارج البلاد، وفي أية فترة جاءوا؟ للإجابة على هذا السؤال نقول “إن قطاع المنسوجات قد اكتسب بالفعل زخماً كبيرًا خلال الفترات التي عمَّ خلالها السلام تلك المنطقة”.
يقومون – بدايةً من التسعينيات وحتى الآن – بتقديم مجموعة من المزايا التحفيزية للاستثمار في هذه المنطقة. في رأيك، هل كان لهذه المزايا التأثير الكافي لدفع الاقتصاد نحو مزيدٍ من التطور والنمو؟.
عندما نُطالع الأرقام المُسجلة بين عامي 2003-2013 ندرك على الفور أن الوضع الاقتصادي في مدن المنطقة قد شهد تراجعًا لافتاً خلال هذه الفترة. وهذا يعني أن الحكومة المركزية لن تجني ثمار هذه السلة التحفيزية التي قدَّمتها للمستثمرين، بالاعتماد على وجهة نظرها فقط؛ دون استطلاع آراء المُساهمين المحليين.
هذا ما رأيناه هناك بالفعل. لا أرى أي مبررٍ لحالة العناد، والإصرار على تنفيذ هذه السياسة التي أربكت العلاقات الاقتصادية مع المنطقة. أعتقد أن ما فعلوه كان إثماً عظيماً:
إنهم يُقيِّمون الوضع في تلك المنطقة، وفي المحافظات الغربية في سلةٍ واحدة؛ فهم لم يفعلوا شيئًا آخر سوى أنهم قاموا بتقسيمها إلى درجات؛ فإذا أردت أن تستثمر في التعليم في أية منطقة أخرى في تركيا، فهذا يعني أنك ستستفيد من السلة التحفيزية الخاصة بالمنطقة الخامسة، أما إذا أردت أن تنفذ الشيء نفسه في هذه المنطقة، فهذا يعني أنك ستستفيد من الشروط التحفيزية الخاصة بالمنطقة السادسة. وبالطبع، هناك فارق كبير للغاية بين الشروط والمزايا في المجموعتين.
في تلك الحالة، إلى أية منطقة ستكون قِبلة أي مستثمر يريد العمل في مجال التعليم في تركيا؟ هل سيتوجه إلى ديار بكر، وماردين، وشرناق، أم ستتجه بوصلته صوب مدن أخرى مثل إزمير، وأنقرة، وإسطنبول؟.
نعرف جميعًا أن تركيا تطبق حالة طوارئ جديدة منذ عامين، في الوقت الذي تعيش فيه هذه المنطقة حالة طوارئ مماثلة، امتدت طيلة 35 عامًا من جملة فترة امتدت لأربعين عامًا مضت؛ إذ يتعذر على المواطنين الخروج إلى الشوارع، لا يمكنهم التسوق، أو التوجه إلى المتاجر لشراء متطلباتهم. يشعر الجميع هناك بحالة من الفوضى، وانعدام الشعور بالأمن. وبالمنطق نفسه يمكنكم القول إننا نعيش حالة طوارئ اقتصادية منذ ما يقرب من خمسة عشر عامًا.
يقولون “نحن نشجع الاستثمار في المنطقة” في الوقت الذي لا نرى أموالاً تأتي إلينا، ولا نرى مستثمرين يقصدوننا. حسنًا، أين تذهب هذه الأموال إذن؟.
تذهب هذه الأموال لتلبية الإنفاق الحكومي، وتنفيذ بعض الاستثمارات في الدولة، مثل تمهيد الطرق وغيرها؛ أي أنها لا تُوجَّه – كما يدَّعون- لاستثمارات من شأنها رفع مستوى معيشة المواطن في تلك المنطقة، أو رفع كفاءة قطاع الصناعة بها. المعادلة هنا أنهم يعتبرون الخدمات التي يتعين عليهم تقديمها للمواطن في هذه المنطقة استثمارًا. وهذا إنما يعني شيئاً واحداً هو أنهم يحوِّلون أمولاً إلى المنطقة، في الوقت الذي لا يصل إلينا شيء من تلك الأموال. أصدرت الحكومة حتى الآن سبعة عشر بندًا تحفيزيًا، لم يخل أي منها من ذات الأخطاء.
كيف تأثر عالم المال، والأعمال من حظر الخروج إلى الشوارع الذي جرى تطبيقه في الفترة بين 2015-2016؟.
اللافت في الأمر أن الصدامات التي وقعت في تلك الفترة قد أعقبت مفاوضات السلام التي أجرتها السلطة الحاكمة مع الأكراد في عام 2013. وقد فضَّلت الحكومة في تلك الفترة الدخول في المسار الصحيح بإدارتها مثل تلك المفاوضات، التي كانت تهدف في الأساس إلى التوصل إلى تسوية للخلافات القائمة مع سكان هذه المنطقة. أما الآن فقد وقعت الحكومة والمعارضة معًا في خطأ كبير، عندما دأبتا على أن ترددا في أحاديثهما كلمات تعبر عن رفضهما اللجوء إلى هذا المسلك.
أما نحن، فقد عشنا لأول مرة عامين من أفضل الأعوام في عمرنا. ثم حدثت الصدمة النفسية العنيفة التي تعرَّضنا لها مع اندلاع الصدامات عقب مفاوضات عملية السلام. وكانت النتيجة أننا عشنا حالة كبيرة من الانكسار فاقت في وطأتها ما عايشناها خلال فترة التسعينيات؛ لأننا لم نجد الفرصة للوصول إلى تسوية خلال فترة التسعينيات. كانوا يفتحون قضايا مثل الملف الكردي…، كانوا يستغلونها ساسيًا.
أما في عام 2013 ، فقد بدا أمر التوصل إلى تسوية مختلفاً عن ذلك، كان الجميع يبارك هذه الخطوة لإحلال السلام في هذه المنطقة. كان الناس يقولون إن الحكومة قد شخَّصت الحالة بشكل سليم، وتعمل على علاجها.
شعر الناس عندما اندلعت أحداث العنف في 2015-2016 ، أنهم اصطدموا جميعًا بشاحنةٍ عملاقة؛ مما أصابهم بأضرار جسيمة ما زالوا يعانون آثارها إلى الآن. كانت خيبة الأمل كبيرة.
أنا أيضًا كنت أحد الحرفيين في مدينة سور. كان لدي حانوت أعمل به هناك. اضطررت بعد ذلك إلى إغلاق هذا الحانوت؛ لأن الناس كانوا يعانون كي يصلوا إلى هذه المنطقة. حسنًا، نعلم أن الحكومة شرعت الآن في تنفيذ أحد المشروعات هناك؛ أي أن هناك عملاً يجري الآن على قدمٍ وساق. ومع هذا، فلا أبالغ إذا قلت إن أحدًا من سكان المنطقة لا يعلم أي شيءٍ عن هذه الأعمال، أو عن مراحل تنفيذها.
لا أحد يستشير المساهمين المحليين، أو سكان المنطقة في شيء. جعلونا نفقد الإحساس بما يدور داخل سور. ولم يقتصر الأمر على سور فحسب، بل امتد ليشمل المنطقة كلها. يوجد في هذه المنطقة حوانيت يعود تاريخها إلى 100-200 عام. لا يعرف الحرفيون هناك ما الذي سيحدث في سور. لا يعرفون هل يرحلون عنها، أم يمكثون؟ .
بصفتك أحد رجال المال والأعمال في هذه المنطقة، هل تعرف شيئًا عما تنوي الحكومة تنفيذه هناك، هل لديك معلومات عن مشروع سور؟.
لا، لا أحد يعرف شيئًا. يقولون “انتظروا، سنقوم بعمل رائع”، وفي المقابل يرتكبون حماقات. ومع هذا، فقد استطعنا في عام 2015- 2015 – وهو العام نفسه الذي استعرت فيه الصدامات – أن نُكوِّن رابطة للحرفيين. وكان من السهل بالنسبة إلينا أن نلتقي المحافظ. كان بإمكاننا الوصول إلى نتائج إيجابية في بعض الموضوعات مع هذا الوالي.
أما الآن، وبعد مرور عامين على هذا الأمر، فلا أحد يعلم بما يجرى داخل سور. من الطبيعي في أي مكان في العالم أن تأخذ السلطة الحاكمة برأي من يعيشون في المنطقة التي تريد إقامة مشروع على أرضها، وتستشير شركاءها في المدينة، ثم تشرع في تنفيذ هذا المشروع. لا يشعر السكان بالراحة مما يحدث ههنا؛ لأن الصدامات التي وقعت في ذلك الحين لم تكن بسببهم.
وعلى الرغم من إدراكهم لحقيقة الأمور، نجدهم يطبقون العقاب على الجميع، على الشعب بأكمله. لم تدعم الحكومة يوماً مبادرة الشعب. نعم، في حقيقة الأمر، لم يقدم أبناء هذه المنطقة الدعم خلال هذه الصدامات. وما دام الأمر كذلك، لماذا تنبذون المواطنين، وتتصرفون كأن الشعب هو المسئول الأول عما جرى حينها؟.
في رأيك، ما سبب هذا التجاهل من قبل الحكومة؟.
تتبع الحكومة في تعاملها مع أبناء هذه المنطقة سياسة يغلب عليها الطابع الأمني. فهم يربطون مسألة الأمن بكل خطوة يخطونها، في الوقت الذي لا أرى فيه أي مبرر، أو أية حاجة لهذه التصرفات من قبل الحكومة. يبدو أنهم لم يستفيدوا من دروس الماضي.
نعلم أن بعض منظمات المجتمع المدني قد قلَّصت بالفعل عدد مشروعاتها في المنطقة، في الوقت الذي كثَّفت فيه الغرفة التجارية، والصناعية في ديار بكر من أعمالها هناك في الآونة الأخيرة. كما أن لديكم مشروع شبكة السلام المجتمعي الذي تديرونه منذ عدة سنوات. هل يمكن جمع شمل أبناء هذه المنطقة تحت هدف الوصول إلى “السلام”، في ظل ما يشهده الشعب في الوقت الراهن من انقسام؟.
الغرفة التجارية، والصناعية في ديار بكر هي في حقيقة الأمر مؤسسة مستقلة، ومع هذا فنحن لا نقف على الحياد إزاء ما يحدث، إذ لا يمكننا أن نقف موقف المحايد إزاء ما يحدث في المنطقة من انتهاكات للحقوق. أرى أن لهذا المركز دوراً لا يمكن التغاضي عنه. قمنا بدراسات مهمة في هذا الشأن، ونسعى كذلك للتواصل الدائم مع الحكومة بشأن ما يحدث في هذه المنطقة.
قمنا كذلك بدراسات حول أسباب الزواج المبكر، وخاطبنا وزارة الأسرة بهذا الشأن. قمنا بدراسة حول تشجيع رؤوس الأموال، وتحدَّثنا مع رجال الاقتصاد في هذا الأمر. نجتهد كي نصبح مؤسسة فكرية. نعمل في الآونة الأخيرة على مشروع شبكة السلام.
الغرفة التجارية، والصناعية في ديار بكر هي كيان مَعْنِي في الأساس ببحث الحياة المدنية، ويؤمن بحتمية السياسة المدنية. بالطبع، فالمجتمع المدني مهم للغاية؛ فإن لم يقَدم المجتمع المدني الدعم اللازم من أجل التخلص من الوصاية العسكرية في مطلع القرن الواحد والعشرين، فلن يُكتب النجاح لهذه السلطة التي تحكم البلاد الآن، وهو الأمر الذي يؤكدون عليه باستمرار.
ليس من السهل بمكان أن نفهم توجُّه حكومة -عاشت هذه التجربة – تجاه المجتمع المدني. لقد أغلقوا ما يزيد عن 2000 من مؤسسات المجتمع المدني. وما بقي من تلك المؤسسات دون إغلاق فيتعرض لضغوط رهيبة. ما الذي يمكننا فعله إزاء هذا؟.
يتحدثون معنا حتى نترك الحديث عن السلام. حسناً، ولكن إذا تركنا الحديث في هذا الأمر، فمن يهتم به إذن؟. ينبغي على كل شخص يعيش على أرض هذا الوطن أن يعي جيدًا أن الحروب، والمُداهنة لا يمكن أن تكون السبيل للوصول إلى السلام الحق الذي يعم الدولة بأكملها.
نعتقد أنه لا يوجد خيار آخر أمام مؤسسات المجتمع المدني في وقت عصيب كهذا سوى أن تقف على قدميها، وتقوم بالدور المنوط بها. لقد أخذنا على عاتقنا تنفيذ مشروع شبكة السلام. يمكننا كذلك تطويره، ووضع آلية لنشره في عموم تركيا. الأمر الذي نعمل بالفعل على تنفيذه في الوقت الراهن.
وقد رأينا نماذج مشابهة لذلك عند الكثير من دول العالم، شهدت هي الأخرى صدامات. فلو أنك تحدثت عن السلام، وعن ضرورة تحقيقه، لوجدت نفسك على قائمة الإرهابيين، وبالتالي تصبح من المنبوذين. من هنا جاء دور مؤسسات المجتمع المدني بدورها الفاعل المهم في اتجاه المناداة بإحلال السلام، وطرح آلية لتطبيقه.
نعم، يمكنهم إغلاق هذه المؤسسات، يمكنهم كذلك اعتقال القائمين على هذه المؤسسات، هذه كلها افتراضات مرشحة للحدوث في ظل ظروف كتلك التي نعيش في كنفها الآن. ولكن إن كنتم لا تريدون للأمور تدهوراً أكثر مما هي عليه الآن، بشكل سيؤثر على حياة أطفالكم، ومجتمعكم، فينبغي أن نجازف قليلاً.
حوار مع محمد قايا
أعتقد أن عددًا محدودًا هو الذي سيجازف بالفعل، لأن هناك حالة من الخَرَس تسيطر على الوضع في تركيا. الناس يموتون، الأطفال يموتون، أعتقد أن الأمر سهلٌ بالنسبة لشخصٍ مثلي؛ كي يدرك، ويفهم حالة الصمت هذه. سؤالي هو؛ كيف تفسِّر السبب وراء حالة الصمت هذه؟ تحدثنا في هذا قبل بداية الحوار، هل سنرى الأمر بوضوح بعد مرور عشرين عامًا، هل سندرك الوقت الحاضر، ونحن نحتسي كوبًا من الشاي، لستُ متأكدًا من ذلك.
الجميع يشعرون بالتشاؤم، وعلى الأخص جيلنا. ذلك الجيل الذي عاش فترة التسعينيات، لقد تابعنا ما حدث بعد هذه الفترة، ولكني أشك أننا سنشهد ما تخفيه الفترة المقبلة من أحداث. يُداهمنا إحساس قوي بأننا سنرحل عن هذه الدنيا دون أن نرى تحسناً في الأوضاع، وسنترك لأطفالنا وضعاً معقداً، مفعماً بالصراعات.
لم تشهد فترة التسعينيات وضعاً بهذه الخطورة التي نراها اليوم. كنا نقول إن الوضع سيتحسن، وستستقيم الأمور. كان يراودنا أمل في المستقبل. هذا هو الفرق بين ما نعيشه اليوم، وما رأيناه خلال فترة التسعينيات. أنتم الآن لا ترون في الوقت الحاضر بارقة أمل للوصول إلى تسوية للمشكلات العالقة، في فترة تزايدت فيها الضغوط على المجتمع المدني. أعتقد أن أبعد ما يمكننا الوصول إليه في هذه المرحلة هو أن نقف على قدمينا، ونقول “هذا خطأ”. حتى هذا لن يكون بالأمر الهيِّن. دعوني أقول إنه يتعين علينا ذلك فحسب.
إنهم يستهدفون أي شخص لا يزال يقف على قدميه بين أناسٍ جثا كل منهم على ركبتيه. ولكن قد يتغير الوضع إذا نهض هؤلاء على أقدامهم ولم يقولوا عبارة “هذا خطأ” أي لم يعترضوا على شيء وفي هذه الحالة ستكون ردة فعل السلطة الحاكمة أقل حدةً تجاههم. ولكن الحقيقة هي أن الجميع قد ركع، ولم يعد أحد قادراً على النهوض.
حينها يظن أولئك الأشخاص الذين دأبوا على سماع جمل الحرب والموت، بشكل أكبر من أي وقت مضى، أن الأمور لن تستقيم أبدًا في تركيا.
يجب علينا أن نقرأ هذا الصمت جيدًا. فالجانب السيء في الموضوع أن هناك وجهة نظر في الوقت الحالي يمكنها قراءة هذا الصمت تمامًا كما كان حدث خلال فترة التسعينيات. وهذه وجهة النظر بالطبع ليست هذه التي نحن بصدد الحديث عنها الآن. فالصمت لا يؤدي إلا لانكسارات كبيرة.
ما زالت الدولة تقول “هذه مسألة حياة أو موت بالنسبة لنا”. وستظل الدولة التركية تتحدث عن مسألة البقاء هذه باستمرار؛ فمنذ أن وعت عيناي على الدنيا، وأنا أسمعهم يكررون كلمة “البقاء” هذه. أعتقد أن الأسلوب الذي تتبعه السلطة الحاكمة ليس السبيل الصحيح الذي تستطيع من خلاله حل مسائل البقاء تلك. فهناك حقول ألغام، وفي الوقت الذي يقولون فيه سنرفع هذه الألغام، نجدهم يبنون جدارًا على الحدود بارتفاع 3.5 متر.
سيأتي يوم يصبح فيه هذا الجدار أضحوكة بالنسبة لنا. نتساءل فيما بيننا عمَّن بناه. لقد اجتهد الناس في هذا الوطن كي ينعموا بالسلام، رأوا أنفسهم قادرين على تحقيقه. هذا ويمتلك حزب (العدالة والتنمية) كوادر تفكر بهذه الطريقة أيضًا. تلتزم هذه الكوادر الصمت، وترتكب الحماقات. لقد بات من المؤكد أن السياسة الداخلية تؤثر على مسيرة السلام في تركيا.
يتعين على تركيا أن تخرج من هذا النفق. أعتقد أن هناك تياراً قوياً داخل حزب (العدالة والتنمية) يدرك جيدًا أن الأمور لن تستمر على هذا النحو. أرى أن الوقت قد حان كي يرفع هؤلاء أصواتهم، وكي يفصحوا عن رأيهم في هذا الموضوع. ينبغي عليهم أن يقولوا إن هناك وسيلة أخرى للحل غير الأسلوب الذي تتبعه السلطة الحاكمة الآن؛ لأن الأمور إذا استمرت على هذا النحو، فلن ننعم بيوم سعيد واحد، وستنفطر قلوبنا كمدًا على ما سيعانيه أطفالنا من بعدنا.
أود أن أسأل في ختام حديثي معكم عن الانتخابات المزمع إجراؤها في الغرفة التجارية، والصناعية في ديار بكر. نعلم أن الانتخابات تقترب، وأنت أحد المرشحين، وأن المنافسة تستعر خلال فترة الانتخابات. سؤالي في هذه النقطة عن الغرفة التجارية، والصناعية في ديار بكر بالنسبة لهذه المدينة، وما هي الوعود التي يمكنكم تقديمها حال فوزكم في الانتخابات؟.
عشنا من قبل فترات انتخابات كثر فيها اللغط في شئون تتعلق بالسياسة. ربما فرضت الظروف العامة في الدولة وضعا كهذا. كما كان لانخراط الغرفة التجارية، والصناعية في ديار بكر في العمل السياسي أبلغ الأثر في كثرة الحديث في السياسة خلال هذه الفترة.
دعني أكون صريحًا معك، إن الغرفة التجارية، والصناعية في ديار بكر لم تكن خلال الدورتين السابقتين ذلك الكيان السليم، القوي. ما زال أمامنا الكثير لنفعله. أمامنا الكثير الذي يمكننا فعله باتجاه تنشيط عمل المركز بالاستعانة بدوره الفاعل في ديار بكر، واتصاله المستمر مع المجتمع المدني. سنؤسس كياناً يمكنه التحرك بالتوازي مع رجال الأعمال. لن نقحم العمل السياسي في هذا الجانب.
لن ينفرد شخص واحد بإدارة الغرفة التجارية. سندير المركز باسم ديار بكر بأكملها. لم يعد الوضع في ديار بكر يحتمل المزيد من الأخطاء. لهذا السبب نفضل أن ندير الدفة معًا. ونحن على يقين من أننا سنصبح أكثر قوة.
يُمكن قراءة الحوار باللغة التركية أيضاً: