“أُصيبت رئتاي بهبوط، ولم يمنحوني حتى قطرة ماء. أخرجوني من هنا. أنظروا إلي. ربطوني. أنقذوني من هؤلاء البرابرة. إنهم ليس لديهم أي دين أو معتقد.”
كانت هذه هي الكلمات الأخيرة التي نطق بها سجين يُعاني من مرض خطير ويبلغ من العمر 65 عامًا ويدعى كوشر أوزدال. وتوفي أوزدال في مستشفى تركي الأسبوع الماضي بينما كانت يداه وقدماه مكبلتين. وسُجن أوزدال في عام 2014، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة في عام 2016.
وفي عام 2018، تم تشخيص حالته بأنه مصاب بمرض السرطان، لكن مُنع عنه العلاج. ودشنت منظمات حقوق الإنسان حملة لإطلاق سراحه أو لكي يتلقى العلاج، لكن وزارة العدل رفضت إطلاق سراحه. ومات أوزدال الأسبوع الماضي في ظروف غير إنسانية، ولم تُتح له الفرصة ليودع أسرته. وكانت يداه وقدماه مكبلتين في السلاسل عندما فقد الوعي. وكان أفراد شرطة يقفون بجواره عندما مات.
لكن الوحشية لم تنته عند هذا الحد. فقد نظمت أسرته مراسم دفن في قريته بويلو الواقعة في إقليم موش الواقع في جنوب شرق البلاد. لكن قوات الأمن لم تسمح لأقاربه، أو أصدقائه، أو الساسة حضور جنازته. فقد ذهب وحيدًا إلى مثواه الأخيرة.
وأوزدال ليس الحالة الوحيدة. فالكثير من السجناء السياسيين في تركيا، وبشكل خاص الأكراد، يواجهون نفس الأعمال الوحشية. ويقول تقرير صادر عن رابطة حقوق الإنسان التركية إن 2300 معتقل وسجين مُدان ماتوا في السجون خلال السنوات الثمانية الأخيرة.
ويوجد قرابة 1500 سجين مريض في السجون التركية، بينهم 402 سجين يعانون من أمراض عضال. ويرجع سجن معظم هؤلاء السجناء إلى أسباب سياسية. وتُعد رابطة حقوق الإنسان التركية تقارير بصورة منتظمة عن موقف هؤلاء السجناء المرضى وحذرت مؤسسات الدولة. وعلى الرغم من المتطلبات القانونية، فإن الدولة ما تزال غير مبالية للمطالبات المتكررة من الأسر، ومسؤولي الصحة، وروابط حقوق الإنسان.
وكشخص غالبًا ما يتلقى خطابات من سجناء سياسيين، يمكنني أن أقول بكل سهولة أن الموقف في السجون التركية بغيض. وكتب أحد أصدقائي ويدعى نديم تورفنت، وهو صحفي حُكم عليه بالسجن لمدة ثماني سنوات وتسعة أشهر بسبب عمل صحفي، يصف لي زنزانته الصغيرة التي يتشاركها مع الفئران والحشرات. وعلمت فيما بعد أن الدولة لا تسلمه الخطابات والكتب. وخلال مقابلة معه الأسبوع الماضي، علمنا أنه مريض منذ أشهر، لكن الحراس لم ينقلوه إلى المستشفى الذي يبعد 20 دقيقة فقط عن السجن.
وهناك صحفي آخر يدعى متين دوران، يعاني من إعاقة شديدة، مسجون لأكثر من أربعة أشهر. وكان دوران يعمل في راديو رنغين، وهي محطة إذاعية تتخذ من إقليم ماردين الواقع جنوب شرق البلاد مقرًا وأغلقت بمرسوم حكومي. وفقد دوران ذاكرته بالإضافة إلى قدرته على السير والحديث في أعقاب سكتة دماغية أصابته في أعقاب أزمة قلبية ألمت به. وعلى الرغم من مرضه، فقد احتجز وأُخذ من أسرته في نصيبين.
وسُجن بتهمة “ارتكاب جرائم بالنيابة عن منظمة إرهابية بدون أن يكون عضوًا فيها” وحُكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات وثلاثة أشهر. ويرافقه أحد أخواته في السجن لأنه لا يستطيع رعاية نفسه. والأسبوع الماضي، دشن أصدقاء دوران الصحفيين حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تُطالب بالإفراج الفوري عنه. لكن الدولة رفضت مرة أخرى، الاستماع لهذه الالتماسات.
ونقلت وكالة أنباء ميزوبوتاميا عن أخت سجين مريض آخر يدعى مهدي بوز قولها إن حراسه حاولوا خنق أخاها وهددوا بقتله.
ويُترك المئات من السجناء المرضى ليموتوا في السجون التركية. ولا يمكنهم تلقي العلاج، أو الدواء، أو الغذاء المناسب. وفي الكثير من السجون، لا يمكنهم حتى الحصول على كتب أو صحف. وفي سجون كثيرة، يتشارك سجينان أو ثلاثة سجناء سريرًا واحدًا بسبب التكدس. والسجون مملوءة بالساسة، والنشطاء، والمفكرين، والصحفيين، والكتاب.
وتقول مزحة تركية حزينة:
ذهب سجين إلى مكتبة السجن ليستعير كتابًا. فقال له أمين المكتبة “الكتاب غير متوافر لدينا، لكن مؤلف الكتاب موجود هنا”.
جميع هؤلاء الأشخاص مواطنون أتراك. وسوء معاملتهم ليست جريمة دولية فقط، لكن جريمة يُعاقب عليها القانون التركي أيضًا. وترفض الدولة أن ترى أو تسمع مواطنيها.
لقراءة المقال باللغة الانكليزية على هذا الرابط