التصنيفات
مقالات

أكاذيب كثيرة تُردَّد عن منطقة سور التركية

كل يوم يكون هناك المزيد من الأخبار الكاذبة بشأن سور، تلك المنطقة التي تعد المركز التاريخي لمدينة ديار بكر الكردية التي تضررت كثيراً خلال أشهر القتال منذ أواخر عام 2015، عندما كان الأتراك يقاتلون مسلحي حزب العمال الكردستاني في الشوارع الضيقة المزدحمة. وعندما انتهت أعمال القتال، تقدمت الجرافات وسوّت معظم ما تبقى من المنطقة بالأرض من أجل إعادة تطوير المنطقة.

وعلى مسافة أمتار قليلة من بعضها البعض، نُصبت لافتاتٌ إعلانية في المدينة تحمل شعارات مثل “سور تنهض من الرماد” و”التاريخُ يولدُ من جديد في سور”، وهي شعارات ملأت وسائل الإعلام الموالية للحكومة أيضاً.

وجاء في أحد عناوين أخبار صحيفة غونيش عنوانٌ يقول إن “فيلات تُبنى من أجل ضحايا الإرهاب في سور”.

ولا أعرف من أين على أن أبدأ بين كل هذه الأكاذيب والخزي. دعونا نبدأ بالحقائق أولاً.

بُنيت الأسوار المحيطة بالمدينة القديمة من البازلت الأسود خلال الحقبة الرومانية في عام 350 ميلادياً تقريباً؛ وقد أعلنتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) موقعاً تراثياً عالمياً إلى جانب حدائق هوسال القريبة في يوليو عام 2015. وعلى الرغم من أن المنازل المتراصة في الشوارع المتداخلة التي يتيه فيها الغريب تقطنها بشكل أساسي الأسر الكردية الأكثر فقراً، أدرَجت السلطات التركية نحو ألف و500 بناية في سور على قائمة المباني التاريخية وباتت محمية بحكم القانون، بما في ذلك واحدة من أقدم الكنائس في العالم يعود تاريخها إلى ما قبل ألف و700 سنة.

وفي أغسطس من عام 2015، أعلن جناح الشباب بحزب العمال الكردستاني سور، ومناطق أخرى من البلدات والمدن الكردية في جنوب شرق البلاد، مناطق حكم ذاتي وأقام حواجز لإبقاء قوات الأمن خارجاً. وبعد أشهر من القتال المرير في الشوارع، انتهت العمليات العسكرية رسمياً في سور في التاسع من مارس عام 2016.

وتُظهر الصور التي التقطتها الأقمار الصناعية بوضوح مدى الدمار الذي حدث. ويُظهر تقرير تقييم الدمار في بلدية سور، الذي يعود تاريخه إلى 30 مارس 2016، أيضاً أن الدمار الذي تسبب فيه الصراع كان مقصوراً على أجزاء من الأحياء الستة التي تتألف منها سور.

لكن بدلاً من إصلاح من دمرته الحرب، أقرت الحكومة في 21 مارس 2016 قانوناً ينتزع ملكية سور. بعد ذلك بدأت إزالة الأحياء الستة، وما زال حظر التجول هناك قائماً. لقد هُدِّمت الأحياء الستة ودَمَّرت الدولة العشراتِ من القصور الثقافية وتاريخاً امتد على مدى آلاف السنين.

وفي صيف عام 2016، بينما كانت أعمال الهدم تجري، بدأت أعمال البناء. وفي الموقع الذي كان يحمل عبق التاريخ، بدأ تشييد منازل غريبة الأطوار من نوع الفيلات من دون استشارة أي من المهندسين المعماريين أو مخططي المدن أو غير هؤلاء من المنظمات التي تعرف الطابع التاريخي الأصيل لمنطقة سور.

تلك الفيلات الغريبة الأطوار ستباع قريباً بسعر 700 ألف ليرة (108 آلاف دولار) للواحدة. ومن الواضح أن الفقراء في سور، والذين نزحوا بسبب أعمال القتال، لا يمكنهم شراء تلك المنازل، على الرغم من وعود الدولة بأن من خسروا منازلهم أو أُجبروا على الرحيل بسبب أعمال القتال سيكون بوسعهم أن يعودوا.

ولا أعتقد أن أي شخص عنده ضمير سيشتري هذه المنازل بينما هناك أسر ما زالت تبحث عن رفات أبنائها الذين قُتلوا خلال العمليات العسكرية هناك. كلي فضول أن أعرف من سيعيش في هذه الفيلات الغريبة الأطوار.

على مدى السنوات الثلاث الأخيرة، ظلت الدولة تهدم سور وتبني منازل جديدة وأقسام شرطة وتشقّ طرقاً أوسع. ومن الواضح أن بعض الناس يستفيدون من أعمال البناء هذه؛ لكن لا سكان المنطقة، ولا مجتمع الأعمال المحلي، يعرفون من الذي يقوم بهذه الأعمال هناك.

تسعى الدولة لتدمير هوية سور للأبد وكتابة تاريخ جديد لا مكان فيه لأحياء سور أو تراث الأكراد والأرمن والسريان وغيرهم.

في الوقت ذاته، فإن الحصار القائم في سور منذ عامين ونصف العام يعني أن تظل المنطقة مغلقة في وجه سكانها السابقين. لكن أعمال السلب والنهب باتت شائعة هناك. وقالت الكنيسة الأرمنية أن أماكن العبادة التابعة لها في منطقة حظر التجول تعرضت للنهب عدة مرات. فمن إذاً يقوم بأعمال السلب والنهب تلك، إذا كان الناس لا يستطيعون دخول سور منذ حوالي ثلاث سنوات؟

ومن المنتظر أن يظل حظر التجول قائماً، لكن اسمه سيتغير الآن ليصبح “حظر دخول مناطق الإنشاءات”. ومن جديد يجري تحريف الحقائق.