التصنيفات
مقالات

المطالبة بالسلام تعتبر جريمة إرهابية في تركيا

إنه لشرف عظيم لي أن أكون هنا ومن دواعي سروري أن أتسلم هذه الجائزة.

أنا سعيدة حقا.

دعوني أخبركم بأهم أيام حياتنا نحن الشعب الكردي. كان هذا في شهر يوليو من عام 1991. كان اليوم السادس عشر منه.

قتل جارنا فيدات أيدين، وهو ناشط حقوقي وسياسي بارز، وذلك بعد احتجازه من قبل الشرطة. بعد ذلك بأيام، عثر على جثته تحت أحد الجسور وعليها آثار تعذيب.

تجمع مئات الآلاف من الأشخاص في جنازته في ديار بكر. وأثناء سير الحشود نحو المقابر، سمعنا صوت إطلاق نار. لقد فتح مقنّعون من القوات الخاصة النار على الحشود من فوق أسوار المدينة. استمر هذا لعشرين دقيقة وتساقط القتلى على الأرض.

وبينما كنت أنظر حولي، فكرت وقلت “لا أريد أن أرى هذه الوحشية مرة أخرى. أبدا.”

بوصفي امرأة كردية أعيش في تركيا، كنت شاهدة على أكثر الأعمال وحشية. مر 30 عاما تقريبا منذ ذلك اليوم، لكن لم يتغير الكثير في حياة الأكراد.

بعد انهيار عملية السلام بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني في يوليو عام 2015، اندلعت اشتباكات في المدن الكردية. وأعلنت السلطات حظر التجول العسكري في مدننا وقصفت المدنيين.

قُتل أكثر من ألفي شخص في منطقتنا منذ اندلاع الاشتباكات. ودمرت منازلنا ومدننا وبات مئات الآلاف من الأكراد مشردين اليوم.

ظلت جثث القتلى في الشوارع لأشهر. وشهدنا انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان وجرائم حرب.

بعد محاولة الانقلاب العسكري في 15 يوليو عام 2016، أعلنت حالة طوارئ لا تزال مستمرة حتى اليوم. واستغلت الحكومة قانون الطوارئ لقمع المعارضة. وعزلت مئات الآلاف من وظائفهم أو اعتقلتهم بلا سبب. أغلقت كذلك بعض منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام.

وسجنj كذلك أكثر من 170 صحفيا وكاتبا. ولا تزال تركيا تتصدر قائمة أكثر دول العالم سجنا للصحفيين.

الموقف أسوأ في المنطقة الكردية. لقد سجن رؤساء بلديات وبرلمانيون أكراد، وعينت الدولة أشخاصا بدلا من رؤساء البلديات الأكراد المنتخبين. وأغلقت وسائل الإعلام الكردية بالكامل.

وحرم الشعب الكردي من الحق في أية ممارسة سياسية.

اليوم لا تزال الانتهاكات لحقوق الإنسان مستمرة في منطقتنا، ولا تزال جرائم الحرب ترتكب فيها.

هناك حرب قذرة لا تزال مستمرة في منطقتي. لا تزال هناك جثث ملقاة على الأرض في مناطق ريفية.

أن تتصدى للدفاع عن حقوق الإنسان في منطقتنا يعني النضال ضد التعذيب، والنضال من أجل دفن الجثث بطريقة كريمة، والنضال للبحث عن أشخاص في مقابر جماعية، وأحيانا هذا يعني دعم أسر تحت القصف، وأحيانا أخرى يعني إنقاذ امرأة يزيدية من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية.

لم يبذل المجتمع الدولي الكثير لمواجهة العنف الذي يتعرض له الشعب الكردي. لقد قوبلت هذه الوحشية بحالة من اللا مبالاة والتجاهل. اللا مبالاة هي صديق الحكومات القمعية؛ اللا مبالاة صديق للشر.

لماذا نمنح السلطة لهذه الحكومات القمعية؟ لماذا نغلق أعيننا عن هذه الجرائم؛ جرائم ضد الإنسانية؟ بعد رواندا، قال العالم إن هذا “لن يحدث مرة أخرى”. لكنها أمور تحدث مرة بعد مرة.

حين نقول “لن يحدث مرة أخرى” يجب أن يعني توقفا تاما عن هذه الممارسات!

اليوم في تركيا، يمكن بمنتهى السهولة إطلاق وصف إرهابيين على أكاديميين وطلبة وصحفيين ومعلمين وأطباء، بل وحتى مغني الأفراح الذين ينتقدون السياسات الحكومية ويطالبون بالسلام وحقوق الإنسان.

إنهم يقتلوننا، ويسجنوننا، ويجبروننا على الرحيل عن البلاد.

المطالبة بالسلام الآن تعتبر جريمة إرهابية في تركيا.

إن أمثالي من المطالبين بالسلام وحقوق الإنسان، باتوا يعتبرون إرهابيين.

هل أبدو لكم كإرهابية؟

هذه أيام حالكة السواد في حياة الشعب الكردي وتركيا. لكن لا يزال هناك من يناضلون من أجل حقوق الإنسان والسلام والديمقراطية. هناك أبطال مجهولون في شرناق، وفي إسطنبول، وفي ديار بكر، وفي إزمير وفي الجزيرة.. بعضهم يسجلون انتهاكات، وبعضهم يحاولون وقف التعذيب، وبعضهم يقدمون الدعم القانوني لضحايا العنف، وبعضهم ينتشلون جثث القتلى من الأرض.

أقبل هذه الجائزة بالنيابة عن هؤلاء الأبطال المجهولين، وبالنيابة عن جميع المدافعين عن حقوق الإنسان في تركيا، وخاصة في كردستان.

أقبل هذه الجائزة بالنيابة عمن يواصلون النضال لتسليط بعض الضوء على الظلمة التي تعيشها تركيا.

أريد أن يكون بوسعي الاعتقاد بأن شعار “لن يحدث مرة أخرى” ممكن.

دعونا نوقف منح السلطة لهذه الحكومات القمعية!

دعونا نتوقف عن إغلاق أعيننا عن هذه الجرائم، إنها جرائم ضد الإنسانية.

دعونا نجعل شعار “لن يحدث مرة أخرى” أمرا ممكنا.

شكرا لكم.

* نص كلمة نورجان بايسال في حفل توزيع جوائز منظمة “فرونت لاين ديفندرز”.

يمكن قراءة المقال باللغة الإنكليزية أيضاً: