التصنيفات
ahvalnews مقالات

العمل من أجل الأرض والسلام ثمنه السجن في تركيا | أحوال تركية

تونا ألتنيل، أستاذ الرياضيات بجامعة ليون الفرنسية والمدافع عن السلام، مسجون في تركيا بتهمة الإرهاب منذ الحادي عشر من مايو.

وألتنيل واحد من أكثر من ألفي أكاديمي في جميع أنحاء تركيا قاموا بالتوقيع على عريضة تسمى “لن نكون طرفاً في هذه الجريمة” في يناير 2016 والتي دعت إلى حل سلمي للصراع بين قوات الأمن التركية وحزب العمال الكردستاني المحظور. ويشن حزب العمال الكردستاني حملة مسلحة من أجل الحكم الذاتي في جنوب شرق تركيا الذي يغلب على سكانه الأكراد منذ عام 1984.

واحتجز ألتنيل واعتقل بعد أن ذهب إلى مركز للشرطة في مدينة باليكسير في غرب البلاد لطلب معلومات عن قيود السفر المفروضة على جواز سفره. وقال محاميه إن موكله متهم بنشر الدعاية عن حزب العمال الكردستاني خلال حلقة نقاشية في فرنسا، حلقة نقاشية لم يحضرها ألتنيل.

وألتنيل أحد أكثر الناس الذين عرفتهم على الإطلاق سلمية وطيبة القلب. أود أن أحكي لك قصته بكلماته الخاصة من الرسائل التي كتبها لي.

في أغسطس 2015، عندما اندلع صراع دموي بين جناح شباب حزب العمال الكردستاني والدولة التركية في مدن تقع في الجنوب الشرقي، تلقيت رسالتي الأولى من ألتنيل.

أعلن حزب العمال الكردستاني مدينة ديار بكر في جنوب شرق البلاد وعدة مدن أخرى في المنطقة مناطق متمتعة بالحكم الذاتي وشيد الحواجز لإبعاد قوات الأمن. وبعد شهور من القتال المرير في الشوارع، انتهت العمليات العسكرية رسمياً في مارس التالي، لكن المعارك تركت الآلاف من المشردين وعدداً من الأحياء في حالة خراب.

وكتب ألتنيل في رسالته الأولى إلي يقول “أنا أكتب هذه الرسالة إليك كمواطن عادي. أعتقد أن تحول ردود الفعل وسلوك المواطنين العاديين سيؤدي إلى جو أكثر تسامحاً.. لا سيما في هذه الأيام حيث يتم مرة أخرى تحطيم الروابط التي بالكاد بدأت تتوطد بين الناس”.

وفي عام 2016، وقع ألتنيل ومئات آخرين ممن يعرفون باسم (أكاديميون من أجل السلام) على عريضة تطالب الحكومة بمنح المراقبين المستقلين الوصول إلى المناطق ذات الأغلبية الكردية. ومنذ ذلك الحين، واجه الأكاديميون حملات مضايقة وتشويه، وفي بعض الحالات، وصل الأمر إلى الفصل من وظائفهم. حتى الآن، قدمت المحاكم 691 أكاديمياً وقعوا على العريضة للمحاكمة بتهم تتعلق بالإرهاب.

قال ألتنيل إن الكلمات لم تكن كافية لوقف العنف وذهب لزيارة المنطقة لرؤية الوضع بعينيه في سبتمبر 2017. وفي هذا الوقت كانت أسوأ المعارك قد انتهت ولكن تم تدمير قطاعات كبيرة من عدة مدن في جنوب شرق البلاد.

وقال “لم نتمكن من صنع السلام”، واصفا حزنه العميق لما حدث. وقال “رداً على ما حدث، لدينا خيار واحد فقط، وهو ألا نغلق أعيننا وعقولنا وقلوبنا”.

وقام ألتنيل دائماً بدوره كرجل تركي وشعر بالتعاطف مع الأكراد في هذا البلد حتى يتمكنوا من العيش سوياً على الرغم من خلافاتنا.

عندما كنت أعاني من دعاوى قضائية وتحقيقات ضدي بتهم تتعلق بالإرهاب بسبب كتاباتي عن الصراع في جنوب شرق البلاد، لم يتوقف أبداً عن إظهار دعمه عبر رسائله.

بدأت السلطات التركية بعد فترة من الوقت بالتحقيق معه أيضاً. كنت فخورة به عندما قرأت دفاعه في مواجهة الاتهامات.

وقال ألتنيل في دفاعه إنه ذهب إلى مدن جنوب شرق تركيا عندما بدأ الصراع. وأردف قائلاً “رأيت الاستعدادات للحرب، لقد استمعت إلى صوت الحرب، وحملت حقائب الإمدادات لمساعدة ضحايا النزوح القسري والدمار، وتحدثت إلى أشخاص فقدوا أقاربهم ومنازلهم”.

وأضاف أنه قام بكل هذه الأشياء بشكل فردي وكان يسترشد بمبدأ واحد.

وأردف ألتنيل قائلاً “إذا فعل كل مواطن تركي ما أقوم به، فسنقترب من السلام”.

سمعت من ألتنيل بعد يومين من اعتقاله. بعث لي رسالة يقول فيها إنه يواصل القيام بالعمل الذي يعتقد أنه على صواب. حتى أنه بدأ تدريس اللغة الفرنسية في السجن.

ألتنيل أحد الأشخاص الذين يجعلونني مؤمنة بالإنسانية، لا سيما في هذه الأوقات التي كثيراً ما يؤذي فيها الناس بعضهم البعض. أنا لا أعرف كيف أشكره بالشكل الكافي.

لم يغلق عينيه وعقله وقلبه قط. لقد قام بواجبه من أجل هذه الأرض ومن أجل السلام وهو الآن قادر على رفع رأسه عالياً، حتى وهو يقبع في السجن.