كان يوماً من أيام الخريف قبل 25 عاماً في بلدة فارتينيز (ألتينوفا) بمدينة موش. كان الجيش ينفذ عمليات ضد حزب العمال الكردستاني في الجبال القريبة من البلدة وقُتل جندي وأحد أعضاء حزب العمال الكردستاني. وقال شهود عيان إن قائد الدرك بولنت كار أوغلو طاف البلدة بجثمان الجندي القتيل وأخذ يصيح في وجوه أهالي فارتينيز:
“الليلة سأحرق هذه البلدة، سأدمركم”.
ظل أهالي فارتينيز يترقبون حلول الليل في قلق شديد؛ وكانت عقارب الساعة تشير إلى الثالثة بعد منتصف الليل حينما عاد الجنود إلى البلدة. طرق الجنود جميع الأبواب وطلبوا من الرجال أن يخرجوا إلى ميدان البلدة قبل أن يقيدوا أيديهم ويجبروهم على الركوع. وقال شهود عيان إن الجنود أضرموا النار بعد ذلك في منزل عائلة أُوت.
كان نصير أوت وزوجته الحُبلى إشراف نائمين في المنزل مع سبعة من أبنائهم: سيرين، التي كانت تبلغ من العمر عاماً واحداً، وشينار (عامان)، وجيهان (ثلاثة أعوام)، وآيجان (ستة أعوام)، وشاكر (سبعة أعوام)، وسيفدا (12 عاماً)، وسيفيم (17 عاماً). وكانت شقيقتهم الأكبر آيسال في منزل جيرانهم.
مع اندلاع النيران في المنزل، حاول الأطفال الفرار. لكن شهوداً عيان قالوا إن الجنود كان قد أوصدوا الأبواب من الخارج. توجه الأطفال نحو النوافذ، لكن الجنود ضربوهم بأعقاب البنادق لمنعهم من الخروج. ركض الجيران نحو المنزل لمساعدة الأسرة، لكن الجنود أبعدوهم وفقاً لرواية الشهود.
تقول آيسال أوت، التي كانت تبلغ من العمر 18 عاماً آنذاك إنها شاهدت مقتل أسرتها من منزل الجيران. وقال قرويون إن تسعة أشخاص، سبعة منهم أطفال، أُحرِقوا أحياء في منزل أوت. كانت الجثث مشوهة تماماً ودُفنت جميعها مع بعضها البعض.
حاول شقيق نصير أوت أن يجعل مرتكبي الواقعة يمثلون أمام القضاء، لكنه تراجع بعدما تلقى تهديدات بالموت. وطلبت آيسال أوت، وهي الناجية الوحيدة من الأسرة، فتح تحقيق في الواقعة عام 2003؛ لكن مكتب المدعي العام في موش رفض طلبها قائلاً إن حزب العمال الكردستاني هو المسؤول عن تلك الواقعة.
تقدمت آيسال بعدة طلبات لإجراء تحقيقات حتى جرى فتح تحقيق في عام 2013، بعد مرور 20 عاماً على المذبحة. أقيمت دعوة ضد ضابط الدرك بولنت كار أوغلو، وقائد أول الدرك حنفي أكيلديز، وقائد العمليات الخاصة شرف الدين أوز، ورقيب الدرك تورهان نور دوغان بتهم “إحداث عدة وفيات لأشخاص عن طريق إحراق منزل عمداً”.
بدأت المحاكمة في ديسمبر 2013. وقال متهمون إنهم إما لا يذكرون الواقعة أو إن حزب العمال الكردستاني هو من أضرم النار. وأبلغ عدد من شهود العيان المحكمة بأن الجنود أحرقوا المنزل. لكن في يونيو 2016 صدر حكم ببراءة جميع المتهمين.
لماذا أقص عليكم هذا اليوم؟
بعد صدور الحكم، رفعت آيسال أوت قضيتها إلى المحكمة العليا. والأسبوع الماضي، ألغت المحكمة العليا حكم البراءة السابق، وهو ما يعني أن هناك بصيص من الأمل في إعادة محاكمة الجنود.
لكن الأرجح أن ملف قضية مذبحة فارتينيز سيُغلق، شأنها شأن غيرها من المذابح في تركيا. وبينما كنت أنظر إلى الصورة الفوتوغرافية الوحيدة المتبقية لعائلة أوت، وجدت أن من الصعب علي أن أتخيل كيف يعيش من أحرقوا هؤلاء الأطفال أحياءً ويظلوا طلقاء.
في تسعينات القرن الماضي، قدرت جماعات حقوق الإنسان عدد حالات الإعدام خارج نطاق القضاء في المناطق الكردية بتركيا بالآلاف. فكم من هؤلاء الذين ارتكبوا هذه الجرائم يسيرون بيننا؟ إنهم يشكلون مجتمعنا. ربما من بين هؤلاء من يصطحبون أبناءنا إلى المدرسة، أو ربما منهم من يعمل في مكتب ما؛ ربما منهم من يملكون ذلك المطعم المحلي الذي نذهب إليه بصحبة أسرتنا. فهل نرضى نحن كمجتمع بالعيش مع هؤلاء الناس؟