يبدو أن كلمة “حرب” باتت محظورة في تركيا؛ فخلال مظاهرات منصة العمل والديمقراطية في آمد بديار بكر قبل ثلاثة أسابيع، أجبرت قوات الشرطة المدججة بالسلاح المتظاهرين على حذف الكلمة من على اللافتات قبل أن تسمح لهم بالدخول. وأبلغت الشرطة المتظاهرين بأن كلمة “حرب” هذه محظورة.
وفي السنوات الخمس الأخيرة، صار استخدام بعض الكلمات في تركيا من الأمور التي تُشكّل خطورة كبيرة. إحدى تلك الكلمات هي كلمة “سلام”. فقبل عامين حطَّمت الشرطة باب منزلي واعتقلتني بقسوة أمام أطفالي، لأني نشرت تغريدات تدعو إلى السلام.
وبعد صيف عام 2015، عندما انهارت عملية السلام بين الحكومة التركية وحزب العمّال الكردستاني، صارت كلمة “سلام” كلمة خطيرة جداً. فقد فُصل نحو ألفي أكاديمي من وظائفهم في الجامعات، بينما سُجن الكثير من الناس فقط بسبب مطالبتهم بالسلام مع الأكراد.
عندما نستخدم كلمة “سلام” فإن هذا يعني أن هناك حرباً، لكن تركيا لا تقبل بوجود حرب. ووفقاً للدولة التركية، فإن ما تفعله هي في المدن الكردية المحلية، أو في سوريا، أو أي منطقة كردية في أي مكان في العالم، ليس حرباً بل “معركة ضد الإرهاب”.
وهناك شيء من الصحة في ما تقوله تركيا؛ فما تفعله في شمالي سوريا أسوأ من الحرب. إنها تقتحم أراضي بلد آخر خارج حدودها بالقوة، والحقيقة أنني ليس بوسعي أن أقول علناً ما هي الكلمة التي تصف ما يفعلونه هناك، لأني لا أريد أن ينتهي بي الحال في السجن.
من الصعب جداً الكتابة عمّا يحدث في تركيا اليوم أو الحديث عنه. وبصفتي صحفية ومدافعة عن حقوق الإنسان، فأنا بحاجة إلى التفكير في كل كلمة أستخدمها. هل يجب علي أن أستخدم كلمة “غزو” أم هل ينبغي أن أستخدم كلمة “احتلال” أم كلمة “حرب” أم “سلام”؟ فكل كلمة سأستخدمها سيكون لها أثر مباشر، ليس فقط على حياتي، لكن أيضاً على حياة أسرتي.
قبل ثلاثة أشهر فقط، بعد العملية التركية المسمّاة “نبع السلام” ضد الأكراد في شمالي سوريا، داهمت الشرطة منزلي مجدداً، وكانت المداهمة هذه المرة بسبب استخدامي كلمة “حرب” في تغريداتي. كنت وقتها في لندن، ولم أُعتَقَل. غير أن ولَديّ واجها من جديد عنف الشرطة.
في بعض الأحيان يجعلنا حظر الكلمات نفعل أشياءً غريبة. منذ انهيار عملية السلام، صارت كلمة “كردستان” محظورة في تركيا، ومن ثم صرنا بحاجة إلى البحث عن وسائل أخرى للحديث عن منطقتنا. في بعض الأحيان، نستخدم تعبير “المدن الكردية”، لكن هذا أيضاً يُشكّل خطورة. ومن ثم، فإننا في بعض الأحيان نقول “المنطقة” وفي أحيان أخرى نستخدم “جنوب شرقي تركيا”.
ولا ينتهي التحدي هنا؛ فالاسم الكردي لمدينتي هو آمد، والاسم التركي هو ديار بكر. خلال عملية السلام، كنّا نستخدم الاسمين، وكلاهما استُخدم في اللافتات العامة، والمباني والمنشورات الرسمية. وبعد أن اتهمت الحكومة رؤساء بلدياتنا بأنهم على صلة بالإرهاب، وحلت محلهم موظفين عينتهم هي بنفسها في عام 2016، مُحي اسم آمد من جميع أنحاء المدينة، كما مُحيت الأسماء الكردية من كل ركن في أركان مدننا. لقد دُمرت رموز الثقافة واللغة الكردية تماماً في أنحاء “المنطقة”.
يأخذني هذا الحديث إلى كلمة أخرى تُسبب مشاكل في حياتنا اليومية في آمد، أو دعونا نقول ديار بكر. فمنذ عام 2016، يدير مدننا موظفون عينتهم الحكومة، ويسمى الشخص المعين لإدارة المدينة “القيّم”. هؤلاء ليسوا رؤساء بلدياتنا، فرؤساء بلدياتنا في السجون. ونحن، كشعب كردي، نُصرّ على أن نسمّي كلاً منهم “القيم”. لكن الموظفين الذين عينتهم الحكومة يطالبون بأن نسميهم عُمَداً، وهذا يسبب مشاكل مختلفة في حياتنا اليومية، حيث أنهم يملكون السلطة على مدننا.
أكتب إليكم هذا المقال من مدينة اسمها محظور. إنها مدينة من المنطقة صاحبة الاسم المحظور أيضاً. في هذه المدينة، وفي هذه المنطقة، يحدث شيء ما، لا يمكنني أن أخبركم به، لأنه محظور. ما يمكنني أن أقوله لكم هو أن الناس تموت في منطقتي. الأعلام التركية والقيّمون يغطون موطني وشوراعي، لكن لا يمكنني أن أقول لكم كيف يبدو هذا الشعور. هناك شرطة وفرق من القوات الخاصة المدججة بالسلاح في شوارعي، ولا أستطيع أن أقول لكم بصدق وصراحة لماذا. كل يوم تحلّق الطائرات فوق مدننا، حتى بينما أكتب لكم كلماتي هذه. لكني لا أستطيع أن أقول لكم أين هي ذاهبة تلك الطائرات وأين تقصف. آمل أن تكونوا قد فهمتم.