التصنيفات
ahvalnews

الدوميون السوريون في تركيا يعيشون في القاع

نحن في نسيب، أحد أحياء غازي عنتاب في جنوب شرقي تركيا، في مخيّم يسكنه الدوميون السوريون الذين يتحدثون اللغة الرومانية. ليس هذا المخيّم بالرسمي؛ فقد تأسس عندما أتت جماعة من شعب الدوم من سوريا، ووجدت مكاناً خالياً، فضربت خياماً في هذا المكان. وبمرور الوقت، وبدعم من المنظمات غير الحكومية، أصبح مخيّماً دائماً. في واقع الأمر، فإن مكتب رئيس البلدية أعطى الكثير من الخيام مسمّيات لتصبح عنواناً سكنياً لسكانها.

في هذا المخيّم في نسيب، تضم نحو 25 خيمة 150 شخصاً، ينتمون إلى الدوم السوريين وقبائل الأبدال. وقد كان هناك عدد أكبر من هذه الخيام؛ لكن بمرور الوقت، تمكن البعض من الانتقال إلى منازل في أحياء سكنيّة. والمخيّم مليء بالأطفال، الذين لا يلتحقون بمدارس. بدأْت التحدُّث إلى أحد الصبية، وعرفت أنهم يكسبون المال في العادة من جمع الخردة وفرز النفايات.

يبيع هؤلاء الأطفال الكيلوغرام الواحد من الخردة مقابل 500-700 قرش، وهي قيمة لا تعادل حتى ليرة واحدة (0.27 دولار). وبشكل عام، فإن أفراد الأسرة جميعاً، بما في ذلك النساء والأطفال يعملون في فرز النفايات معاً. وتحصل تلك الأسر على الكهرباء والماء من الحي المجاور؛ ويدفعون كل شهر 20 ليرة تركية للماء و50 ليرة أخرى للكهرباء. وعلى يمين المخيّم، يوجد مركز فرز النفايات؛ تُجلب الخردة التي تُجمع من نفايات نسيب إلى هذه المنطقة، وتُخزَّن، ثم تُباع. ويمكن لهؤلاء زيارة الأطباء بدرجة ممارس عام، أو المستشفيات الحكومية، لكن فقط إذا كان لديهم بطاقات هويّة تدل على هويتهم المؤقتة التي تتمتع بالحماية. أتحدّث إلى النساء الجالسات في الشوارع مع أطفالهن وقد أحنى البرد ظهورهن. تقول تلك السيدات “هكذا نمضي يومنا، إمّا في الخارج، في البرد القارص، أو نجمع النفايات، وليست لدينا أي حياة أخرى”.

والطرف الأبرز الذي يساعد هؤلاء على الاستمرار في العيش هو منظمة غير حكومية مهمة مقرها غازي عنتاب، تسمّى كيركياك كولتور. ويتعامل مؤسسو المنظمة، برئاسة كمال فورال ترهان، بصفة شخصية مع المشاكل التي تواجهها الأسر هنا؛ فعندما تحدُث مشاكل مع الشرطة يتدخلون، وعندما يمرض أحدهم يزورونه، ويقدمون المساعدات الغذائية. ويساعد مؤسسو المنظمة أيضاً في ضمان الحصول على الخدمات الحكومية، بما في ذلك بطاقات الهوية، لمن لا يملكون هوية. ظللت أتابع الناس وهم يتفاعلون مع كمال، وشعرت بمشاعر الاحترام والإجلال لهذا الرجل.

تأسست كيركياك كولتور في عام 2010 على يد 16 شخصاً. ومن بين المؤسسين أساتذة جامعات، وأطباء، ومهندسون. ولسنوات كثيرة، ظلّ هؤلاء يعملون مع الغجر في الشرق الأوسط. وينخرط هؤلاء المؤسسون في الفنون والثقافة والدفاع عن الحقوق، وينظمون مهرجانات سينمائية. ويفعل هؤلاء كل ذلك من خلال إطار قائم على الحقوق. يقدمون أيضاً خدمات الهجرة والفنون، من خلال مكتبَيْهم المركزيين في غازي عنتاب، ويدعمون الفنانين السوريين، ويستقدمون نشطاء من تركيا وسوريا سويّاً، ويعملون أيضاً على برامج تعليمية للأطفال السوريين. لديهم أيضاً مركز بحثيّ للدوم. وقد وضعوا خطة استراتيجية للدوم السوريين في تركيا، والأردن، ولبنان.

أَقْرَأ الخطة الاستراتيجية، وأفهم كيف تعرّض الدوم إلى العنف والهجرة القسرية، حتى وإن كانوا لم يقفوا مع أي طرف في أعمال القتال بالمنطقة، يواجه هؤلاء تمييزاً ضد الغجر، ويجدوا أنفسهم منبوذين. إنهم إحدى أبرز الجماعات المهمشة وغير المحمية بين جميع اللاجئين. هذا الظلم يجعلهم غير ظاهرين.

تنص الخطة الاستراتيجية التي وضعتها المنظمة على أن “الآلاف من الغجر يحاولون العيش كأشباح في دول الشرق الأوسط، مئات الآلاف من الأطفال محرومون من التعليم، والرجال والنساء يحاولون توفير الحد الأدنى من سبل العيش بالعمل في أشغال بالأجر اليومي، ويلتمسون الحصول على المساعدة في الشوارع”.

ويشير البحث الذي شمل الدوم السوريين في البلدان الثلاثة إلى أن هذه الجماعة طوّرت نوعين من الاستراتيجيات للبقاء على قيد الحياة في عملية الهجرة هذه:

“(الخيار الأول إلى الآن) تلتمس الأسر الملاذ في المدن الأكبر وتتوزع على أحياء مختلفة، وهو ما يسمح لهم بألّا يكونوا ظاهرين. يقدمون أنفسهم على أنهم عرب، أو تركمان، أو أكراد، كل حسب اللغة التي يتقنها. وتلوذ الأسر على وجه الخصوص بالمدن الأكبر، مثل إسطنبول وأنقرة وبيروت، في محاولة للعيش في هذه المستوطنات الأجنبية. وفي ظل تهميشهم وحرمانهم من وجود مجتمع واحد يضمهم جميعاً، وعدم تمكنهم من التعايش، يكون أفراد تلك الأسر عُرضة للجريمة بسبب يأسهم.

الخيار الثاني أمام هؤلاء هو العودة إلى حياة البداوة. فقد عبروا الحدود، شأنهم في ذلك شأن مئات الآلاف من الناس. كان كل ما يحتاجونه خيمة بالية ووعاءين من الخزف للاستمرار في الحياة. يحاول هؤلاء إطعام أطفالهم من خلال العمل في جمع النفايات والخردة، أو العمل بالأجر اليومي أو مع العمالة الموسمية. لقد بدأوا في التنقل من مدينة إلى أخرى للعثور على فرصة عمل وإطعام أسرهم”.

ومن بين نحو أربعة ملايين لاجئ سوري، ينتمي نحو 40 ألفاً إلى الدوم أو الأبدال. هؤلاء هم من يعيشون في أسوأ أوضاع، وهذا واضح من الخيام التي يعيشون فيها. ليس لدى هؤلاء أي شيء يمكنهم التمسك به، وليس لديهم مستقبل، وقد تفشّى فيهم المرض والجوع وانعدام الأمل. في صباح يوم بارد في نسيب، صادفتني هذه الصورة التي رسمتها لكم من جهة، وفي الجهة الأخرى هناك من هم مثل كيركياك كولتور، يعملون لتحويل هذا اليأس إلى أمل.