قال رئيس رابطة حقوق الإنسان في أكبر مدينة كردية في تركيا إن الاختلاف الرئيسي بين حاضر تركيا وما يطلق عليه الحرب القذرة في جنوب شرق البلاد ذي الأغلبية الكردية هو أنه “يبدو أنه لا توجد لوائح أو مبادئ اليوم … ولا يوجد حكم أو قانون.”
وقتل الآلاف في الصراع بين حزب العمال الكردستاني والهجوم الكثيف الذي شنته الدولة في عقد التسعينات من القرن الماضي، وفقد الملايين منازلهم حيث أحرقت دوائر الأمن القرى وذلك في إطار انتهاج سياسة الأرض المحروقة، واختفى عدد غير معلوم أو اغتيل على أيدي قتلة مأجورين موالين للحكومة.
لكن حدة الصراع بدأت تتراجع في السنوات الأولى من القرن الجاري وذلك في أعقاب القبض على زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان في عام 1999. لكن بعد انهيار هدنة استمرت لمدة عامين ونصف العام في عام 2015، اندلع القتال مرة أخرى ونفذت الحكومة عمليات قمع واسعة النطاق على جميع أشكال المعارضة تحت حالة الطوارئ التي تم فرضها بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في عام 2016.
وقال راجي بيليجي مدير مكتب رابطة حقوق الإنسان في ديار بكر خلال مقابلة مع “أحوال تركية” “عانينا الكثير من انتهاكات حوق الإنسان، والقهر، والقمع خلال الصراعات الإقليمية في التسعينات مثلما نعاني اليوم … لكن الاختلاف الرئيسي بين الحاضر والماضي هو أنه يبدو أنه لا توجد قواعد أو مبادئ اليوم. كل شيء تعسفي وأصبح أسوأ هذا العام”.
وتابع بيليجي قائلا “نعم، كانت هناك انتهاكات لحقوق الإنسان في التسعينات من القرن المنصرم. كان بإمكاننا الحديث مع أشخاص بعينهم، سواء من الحزب السياسي الحاكم، أو بالمحاكم، أو من القادة العسكريين، أو من مسؤولي الحكومة الإقليميين، لكن كان هناك شخص ما يستمع. أما الآن، فلا يوجد أي شيء من هذا القبيل.”
وأضاف بيليجي “إنهم لا يحددون لنا مواعيد. وفي بعض الأحيان، نراهم في اجتماع، أو في مكان آخر، لكن كل شخص يقول نفس الشيء. لا يوجد فرق بينهم. جميعهم يتحدثون بنفس اللهجة، ونفس اللغة، ويردون نفس الرد. وهذا يثير قلقا بالغا. انتهكت حقوق الناس في التسعينات، وقتلوا. ويقتلون اليوم. لكن في التسعينات، لم يكن هناك صوت واحد ومتحد أو تعليمات واحدة ومتحدة كما هو الحال اليوم.”
وتابع بيليجي “هناك اختلاف آخر يتمثل في أن النظام القضائي أو الهيئة القضائية أصبحت مستبدة تماما. ويمكنها سجن شخص لأكثر من عام بدون لائحة اتهام. وتزايدت سلطات وكالات وجماعات فرض القانون بشكل لا يصدق. ولا يمكن استجوابهم، لأن هناك قانون تم تمريره ينص على أن ‘مهما فعلت، لن تخضع للمساءلة أو المحاكمة’ مما يمنح فرض القانون سلطة غير مسبوقة. وهذا يمثل اختلافا عن التسعينات. وفي الماضي، إذا ارتكب شخص ما خطأ ما أو انخرط في تعذيب، يمكن تحديده. ثم يمكن مساءلتهم أو مقاضاتهم. والآن، لا يمكن لأي شخص فعل هذا. أضف إلى ذلك أنهم وضعوا قانون التقادم المسقط. وإذا لم يتم القبض على هؤلاء الناس في غضون عشرين عاما، فلن يمكن أبدا محاكمتهم أو استجوابهم.
وتابع بيليجي بالقول “لسوء الحظ، فإن تقرير عام 2017 يوضح أن: انتهاكات حقوق الإنسان تشهد تزايدا، وهناك تقييد أكبر لحقوق الناس وقهرهم. والمتهمون خاضعون لقيود زمنية، وحظر تجول أو قيود الإقامة الجبرية، والعيش في ظل حالة من الترهيب والتهديد، والكثير منهم يخشون على حياتهم. وفي التسعينات تم تدمير 3500 قرية، وأُجبر أربعة ملايين شخص على ترك منازلهم، وتوفي عدد لا يحصى من الناس. لكن، كان الناس مازالوا يأتون إلى مكاتبنا، ويعملون معنا للمطالبة بحقوقهم، ويمكننا كتابة مقالات عن مخاوفهم والاحتفاظ بالسجلات. لكن اليوم، وبسبب القهر والقمع، والخوف من قوات الأمن، أصبح الناس يخشون زيارتنا، كما يخشون إخبارنا بمشاكلهم.”
وأضاف بيليجي “إذا نظرت في تقرير العام الماضي، لدينا ما بين 18 ألف إلى 19 ألف تقرير انتهاك لحقوق الإنسان أو أكثر. وقد تعرضت منازل الآلاف إلى الهجوم في القمع، وتم تدمير منازل خلال عمليات البحث، واعتُقل أشخاص. وفي بعض الآحيان، لا تسمع من الناس لأيام. فنحن نكتشف فقط إذا ما تم تسريب أنباء للصحافة أو من أحد أفراد الأسرة. لكن الكثير لا يأتون إلينا بسبب الخوف، لذا لا شيء يحدث. ويقول الناس ‘حتى إذا أبلغنا عنها فلن يتغير شيء’.”
واستطرد بيليجي قائلا “حتى إذا لم يكن هناك أي شخص لنبلغه بوقوع الانتهاكات، فيجب علينا الاحتفاظ بسجلات هذه الأحداث، ولا بد من توثيق هذه الانتهاكات. قد نكون غير قادرين على حل القضية الآن، وربما نكون غير قادرين على إيقاف التعذيب أو الكفاح ضد الانتقاص من حرية التعبير أو الصحافة، وربما نكون غير قادرين على منع هذه الانتهاكات، لكن علينا توثيقها. يقول لنا الناس إنهم عندما يبلغوننا عن مثل هذه الانتهاكات، فإن هذا يكون سيئا بالنسبة لهم. كما تتزايد حوادث التعذيب، ومرة أخرى، لا يتم الإبلاغ عنها كلها بسبب الخوف والترهيب.”
وأضاف بيليجي “هناك شيئان يبرزان خلال الموقف: الشيء الأول، بعد عام من الانقلاب الفاشل الذي وقع في عام 2016، وبعد صدور مرسوم حالة الطوارئ، لم تعد التهمة والعقاب شيئا شخصيا. وفي مثل هذه الحالة، وحتى إذا كان الشخص بريئا، فإنهم يخافون من التحدث، لأن أسرهم، وزوجاتهم، وأخواتهم، وأبنائهم، وأصدقائهم يتأثرون ويعاقبون مع الشخص قيد الاستجواب، كما يتم إغلاق المشاريع، وتتم مصادرة عقاراتهم وثرواتهم، ويطردون من وظائفهم.”
وأضاف بيليجي “الشيء الثاني، هو أن التهمة والعقاب أصبحا غير متناسبين. فعلى سبيل المثال، ربما تنخرط في كفاح عن حرية التعبير، لكن قد تُصنف جريمتك في فئة أنك جزء من جماعة إرهابية. وعند الحديث ضد الحرب، تُوجه لك تهمة مساعدة ومشاركة العدو.”
وقال بيليجي إن “السجون تمثل قلقا. ففي التسعينات، كان يمكننا زيارة السجون. الآن، لا يمكننا الوصول إلى السجناء، إلى أولئك المسجونين سجنا انفراديا، أو ربما يكونون مرضى، أو يعانون من الاكتئاب … وهذا مختلف عن التسعينات نوعا ما. حيث كان يمكننا رؤية الناس من خلال القنوات الرسمية. والآن، على سبيل المثال، نحن نعلم أنه يوجد 1025 سجينا مريضا، يعانون من مرض شديد، بينهم 357 شخصا قد يموتون في أي يوم. وفي حين أن المستشفيات تقول بعد مراجعة سجلاتهم إن هؤلاء السجناء يجب أن لا يمكثوا في السجن يوما آخر، فإن المحاكم، على النقيض تماما لطلبات الأطباء، تُصدر لوائح اتهام تقضي باستمرار احتجاز السجناء.”
وتابع بيليجي بالقول إنه “في حين أننا لم نغلق أبوابنا مثلما فعل الكثير من المنظمات غير الربحية أو جماعات حقوق الإنسان، أصبح من الصعب جدا العمل في رابطة حقوق الإنسان. ويتم تجريم عملنا، حتى مع كوننا موضوعيين دائما ومحايدين. وقد كنا دائما في جانب أولئك المقهورين، والذين تم سجنهم بصورة غير عادلة، ومن ثم تقويض حقوقهم. وهذا يجعل الحزب الحاكم غاضبا ومنزعجا جدا. وقد كشفنا عن المقابر الجماعية في هذا البلد، وكشفنا عن الناس الذين يتم اعتقالهم ولا يطلق سراحهم مطلقا، وكشفنا عن أولئك الذين تم قمعهم وقهرهم، كما كشفنا عن التعذيب الذي لحق بالناس. والحزب الحاكم لا يمكنه إنكار أي من النتائج التي توصلنا إليها، باستثناء القول ‘لم يحدث تعذيب في هذا المنزل’.”
واختتم بيليجي مقابلته مع “أحوال تركية” قائلا “من الصعب حقا القتال من أجل حقوق الإنسان، بل إنه أكثر صعوبة في هذه المنطقة. لكن علينا أن نواصل الكفاح. يمكنك أن ترى ما حدث في الماضي، وما عانينا منه، وأن تتخيل ما يمكن أن نعاني منه في المستقبل. علينا أن نواصل الكفاح من أجل مستقبل أفضل. على الأقل، لصالح أطفالنا.”