قُتلت هيلين شين البالغة من العمر 12 عاما في 12 أكتوبر من عام 2015، في مقاطعة سور بديار بكر، أكبر مدينة في جنوب شرق تركيا ذي الأغلبية الكردية. وفي ذلك الوقت، أعلنت السلطات التركية فرض حظر التجول في ستة أحياء في سور، بسبب العمليات العسكرية التي كانت تقوم بها قوات الأمن التركية في المناطق الحضرية الواقعة في جنوب شرق البلاد. وأطلقت حافلة للشرطة النار على هيلين، عندما كانت بصحبة أمها وهما في طريقهما لشراء الخبز. وعندما تحدثت مع أمها الأسبوع الماضي، قالت لي إن الشرطة حطمت شاهدة القبر التي وضعتها الأسرة على قبر هيلين.
واطلعت فيما بعد على التفاصيل من منظمات لحقوق الإنسان. فالاسم الكامل لهيلين كان هيلين هاسرت شين.
وأزالت قوات الأمن اسمها “هيلين” من على الحجر، باستخدام آلة كشط. وقامت قوات الأمن بهذا العمل لأنها كانت تعتقد أن هيلين اسم رمزي أطلقه عليها حزب العمال الكردستاني، الذي يُقاتل داخل تركيا منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمان.
وعلى ما أعتقد فإن الحجر قد انكسر، عندما كانوا يكشطون اسم هيلين. وبعبارة أخرى، وبدون أي علامة على الكسل، أخذت دولتنا آلة الكشط، ودخلت مقابر الأكراد، وكشطت اسم طفله تبلغ من العمر 12 عامًا، تُشير التحقيقات إلى أنها قُتلت على أيدي أحد أفراد الأمن في الدولة. هل من الممكن أن لا نندهش من مثل هذا الجهد المُفصل للدولة ومدى كراهيتها؟
وبالطبع، فإن هيلين ليست هي القضية الوحيدة لعدم احترام قبور الناس. فهناك أيضًا صبي يُدعى جكوار أليش شوبوك كان يبلغ من العمر 15 عامًا عندما قُتل في سور أيضًا. وكان جكوار طالبًا في مدرسة تقنية تدرس باللغة الإنكليزية، وكان صبيًا جميلًا. كان يحب الغناء بصوت عال. وكان يتمنى أن يصبح لاعب كرة سلة. ولم تُحاكم الدولة أولئك الذين قتلوا جكوار، لكن الدولة كانت منزعجة من شاهدة قبره.
ومرة أخرى، لم تكن الدولة كسولة. فقد غيرت ذات ليلة شاهدة قبره الذي كان مكتوبًا عليه “جكوار أليش شوبوك”، بشاهدة أخرى كتب عليها “أليش شوبوك”. ومثله مثل هيلين، كان جكوار هو اسم الصبي في السجلات الرسمية. وقامت أسرة جكوار بانتزاع شاهدة القبر التي وضعتها الدولة ووضعت شاهدة أخرى باسمه الكامل. ولك أن تتخيل ماذا حدث! فقد أُغير على منزل أسرته. واعتُقل أخو جكوار، وتعرضت أخته وأخ آخر له للضرب.
فنحن نعيش في زمن الوحشية. ونحن نواجه مثالًا آخر على هذه الوحشية يوميًا. وهذا شيء ما وراء الوحشية الفظة، إن هذه تصرفات الوحشية تم حسابها بدقة وتم التخطيط لأصغر تفاصيلها.
وهناك تصرف وحشي لفت انتباهي الأسبوع الماضي، وكان هذا التصرف ضد أسرة جاغيرغا من جزيرة ابن عمر. وقتلت حافلة مدرعة جميلة جاغيرغا البالغة من العمر عشر سنين في عام 2015. واضطرت أسرة جميلة للاحتفاظ بها في الثلاجة لمدة ثلاثة أيام في الطقس الحار جدًا، حيث إن مسؤولي الدولة لم يسمحوا لهم بدفن جثمانها بسبب الحظر.
وأخمن أن هذه الوحشية التي ينبغي أن تكون مثالًا فريدًا في تاريخ العالم لم تكن جيدة بما يكفي … فقد اعتقل أبو جميلة، رمضان جاغيرغا مرات عديدة بعد موتها. واعتقلته محكمة منذ أيام قليلة مضت. وفي الحقيقة، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تعاني منها أسرة جاغيرغا من العنف. ففي عام 1993، قُتل سبعة من أفراد العائلة بعدما ضُرب منزل العائلة بقذيفة مورتر.
وكانت إحدى صديقاتي، اضطر زوجها لمغادرة البلاد، قد استقالت من وظيفتها في البلدية منذ فترة. ولكي تحصل على جواز سفرها، فإنها كانت بحاجة إلى وثيقة تُثبت استقالتها، ويجب أن تكون هذه الوثيقة موقعة من رئيس البلدية الذي عينته الحكومة. وعلى الرغم من ذلك، فإنها لم تستطع الحصول على هذه الوثيقة لفترة طويلة. لأن الحكومة ترغب في منعها من السفر خارج البلاد ورؤية أحبابها.
فالحكومة تستخدم جميع مؤسساتها وآلياتها لتقمع بكل ما أوتيت من قوة أولئك الذين يرفعون أصواتهم ضد الظلم. فالحكومة تتعمد وتخطط وتمارس المزيد من الوحشية، بدون تخطي أصغر التفاصيل.
وليس الأكراد فقط هم من يحصلون على نصيبهم من هذه الوحشية. فهناك الآلاف من الأشخاص الذي يُفصلون من وظائفهم، أو يُعتقلون بدون استجواب، وهناك عشرات الألوف من الأشخاص الذين يتركون في مجاعة بمراسيم يتم إصدارها في منتصف الليل. ويكبر الرضع في السجون، ويهلك أشخاص في السجون بادعاءات غير مبررة ولا أساس لها.
والأسبوع الماضي، توفي الصبي علي أولمز الذي يبلغ من العمر 16 عاما بعدما صدمته حافلة للشرطة في إقليم شرناق في جنوب شرق البلاد. وغرد نوران إيمير، نائب حزب الشعوب الديمقراطي الكردي بصورة رئيسة في شرناق تغريدة تعرض سلسلة من الأفعال الوحشية التي عانت منها أسرة أولمز. وكتب يقول:
“توفي إيغيد في عام 2013 في كوباني. وضربت طائرات إف-16 ماجد في عام 2015 عندما كان يحمل بضائع للتجارة عبر الحدود. ومات أخوهم الأصغر علي بالأمس بعدما صدمته حافلة للشرطة.”
وبث صورة لعلي. ولا أريد أن أخوض في التفاصيل عن الإشارات التي تلقاها إيمير على تويتر. فهذا مثال واحد فقط لمستخدم على تويتر اسمه جاهد عارف (@cahitarif40) كتب بفخر يقول:
“كلما أنجبتم، تعرضتم للموت. وكأكراد، يجب أن يكون لديكم عدد قليل من الأطفال. امنحوا المرأة قدرها. وامنحوا الأطفال قدرهم. إذا لم تفعلوا، فستظلون تموتون مثل الكلاب.”
ماذا أقول ضد هذا؟ فنحن نعيش مع أشخاص يصفون مقتل صبي يبلغ من العمر 16 عاما بأنه “يموت ميتة الكلب”. ويقول هذا بكل أريحية لأنه يعلم أنه لن يُحاكم عندما يقول إن الأكراد “يموتون ميتة الكلاب”.
فالدولة لا تمهد فقط الطريق أمام قول مثل هذه العبارات، إلا أنها في الواقع تقذف الورود على الطريق لجعله أكثر جاذبية. فعندما يكون أولئك الذين في الأعلى يشوهون سمعة أشخاص بكل هذه الأريحية، وعندما تصف الحكومة كل شخص بأنه “إرهابي” بكل سهولة، فإن المجتمع يتبعها.
لكن التاريخ لا يمحي هذه الأفعال. فالتاريخ لا يسجل فقط الدولة التي تكشط أسماء مواطنيها من على شواهد قبورهم، لكن يسجل أيضًا أولئك الذين يصفون الأطفال الذين يموتون صغارًا بأنهم “كلاب”، لجميع الأكراد. فهم رقباء زمن الوحشية هذا.