التصنيفات
مقالات

أمّهات الشهداء يتحدّثن عن إرهاب الدولة التركية

لا تزال الصدمة الناجمة عن إرهاب الدولة حية في أذهان من يعيشون في جنوب شرق تركيا، وهي منطقة يغلب على سكانها الأكراد.
ففي يوليو من العام 2015، انهارت هدنة استمرت لمدة عامين ونصف العام بين الدولة التركية وجماعة حزب العمال الكردستاني المسلحة، ما أدى إلى وقوع اشتباكات في المناطق الحضرية. وحوصر المدنيون في وسط المعارك.
كان أحد هؤلاء المدنيين هيلين سين، البالغة من العمر 12 عاماً، التي قُتلت قبل حوالي ثلاث سنوات في 12 أكتوبر 2015، أثناء المرات الأولى لفرض حظر التجول طوال اليوم في سور، المركز التاريخي لمدينة ديار بكر، أكبر مدينة في جنوب شرق البلاد. وتم فرض حظر التجول للمساعدة في تطهير المنطقة من المسلحين الأكراد واستعادة النظام العام. وأثناء حظر التجول، لم يتمكن السكان من مغادرة منازلهم، ولم يتمكن الصحفيون من توثيق المعارك.
وصفت نظمية سين، أم هيلين، ما حدث في ذلك اليوم وما عانته الأسرة منذ ذلك الحين والتحقيق الجاري.
وتحدث نظمية عن الأيام التي سبقت إطلاق النار على هيلين في سور.
وقالت نظمية “كان حظر التجول لمدة ثلاثة أيام. بدأ حظر التجول يوم السبت، ولم يكن لدينا كهرباء، وقُطعت المياه ولم يكن هناك أي طعام في المنزل. كنا في وضع صعب. يوم الأحد، حاولت الخروج مع أطفالي وعم زوجي المعاق، أردنا الخروج من سور.”
لكن نظمية قالت إنهم لم يتمكنوا من الابتعاد كثيرا قبل أن يواجهوا سيارة مدرعة كوبرا تابعة للشرطة. انهالت عليهم الشرطة بالإهانات وأجبرتهم على العودة إلى ديارهم.
وقالت نظمية “لم يكن هناك أي طعام في المنزل. أعطانا جارنا نصف رغيف من الخبز بدأ يتعفن بالفعل. كان علينا أن نأكل. لقد صنعت المعكرونة يوم الأحد دون الخبز أو البندورة. لم نقم باستعدادات لحظر التجول. لم نكن نعرف أنه سيحدث.”
وفي صباح الاثنين سمعت أن مخبزاً مفتوحاً وأن الناس يبيعون الفاكهة من ساحات منازلهم.
وقالت نظمية “ذهبت إلى أحد تلك المنازل القريبة واشتريت البندورة والتفاح والبرتقال في ذلك اليوم. أعطيت ما اشتريته لابنتي، وأخذت كل شيء إلى المنزل. بعد ذلك، كنا سنقوم بشراء الخبز عندما أطلقت سيارة كوبرا على الجانب الآخر ثلاث رصاصات. أصابت الرصاصات الثلاث ابنتي. كنا جميعاً معاً، أكبرنا وجيراننا وأبناء شقيق زوجي. لم يكن هناك أي اشتباك من أي نوع. لم يكن هناك سوى الناس والنساء والأطفال. لم يكن بيننا مراهق واحد. كنا سنذهب لشراء الخبز. كانت ابنتي ترقد غارقة في الدماء.”
وقالت نظمية إنها أدخلت إلى شقة قريبة واضطرت إلى الانتظار لبضع ساعات قبل أن يسمح لها مكتب المدعي العام بالمغادرة.
وتابعت نظمية قائلة “رأيت حينها مخ ابنتي على الحجارة في سور. شيء آخر أتذكره بوضوح شديد هو أن حوالي 30 ضابطا من الشرطة كانوا يقفون حيث قتلت ابنتي. كانوا مثل داعش (تنظيم الدولة الإسلامية). وثمة شيء استوعبته الآن. ربما كانوا هناك للتخلص من الأدلة. لم يتم العثور على أي رصاصة مطلقا. كانوا هناك على الأرجح ليجعلوها تختفي”.

وطالبت عائلة سين بإجراء تحقيق وأقامت دعوى قضائية منذ مقتل هيلين. وقالت نظمية إن الدولة لديها أدلة أكثر من كافية لإحالة القضية للمحاكمة، لكن التحقيق توقف.
وقالت نظمية “واضح من الذي قتل ابنتي. هو أيضاً في سجلات الدولة. تم إطلاق النار من العربة كوبرا رقم 11. فتح المسلح النار عن عمد وبدراية، لأن نساء وأطفالا كانوا هناك فحسب. كان هناك 100 متر فقط بيننا، لقد شاهدنا، تعرضت النساء للمضايقة والضرب، لقد عانينا من كل ذلك دون وقوع أي اشتباك. وقال ملف التحقيق إنه لم يكن هناك أي اشتباك.”
وأضافت “أولئك الذين لم يمروا بتجربة مثل هذه يقولون إن الشرطة لن تفعل شيئاً كهذا أبداً. لكنهم فعلوا. كنا هناك ورأينا الوحشية.”
قام فرع ديار بكر لجمعية حقوق الإنسان بدعم العائلة. وقال عبد الله زيدان رئيس الجمعية إن الدولة تحمي الشرطة.
وقال “بعد وفاة هيلين، تم إجراء تحقيق، ولكن تم إصدار أمر بالسرية ولا يزال هذا الأمر سارياً. لقد اعترضنا على ذلك عدة مرات ولكن دون أي جدوى. تتعمد النيابة العامة الدفع بعدم صحة الأدلة عن طريق مد القضية ونشرها مع مرور الوقت من أجل تبرئة الشرطة وحمايتها. لا يوجد تفسير قانوني لهذا.”
على الرغم من الجهود التي تبذلها عائلة سين وجمعية حقوق الإنسان، لم تكن هناك محاكمة.
بعد أن شهدت وفاة هيلين، بدأت نظمية تناول الأدوية المضادة للاكتئاب وأدخلت إلى المستشفى. ولا تزال تخضع لعلاج صحتها النفسية.
وقالت نظمية “ستكمل ثلاث سنوات، وما زلت لا أستطيع النوم. لقد كنت أبحث عن علاج نفسي، وأخذ أقراصا، ولا أستطيع النوم. وما زلت أستحضر الصورة الذهنية لابنتي في تلك اللحظة وهي مستلقية على الأرض.”
كما أن عدم تحقيق العدالة قد تسبب لها في خسائر وجدانية فادحة.
وتقول نظمية “الألم لا يوصف. اليوم، إذا ماتت ابنتي برصاصة، فسوف يتم القبض على القاتل في غضون ثلاثة أيام. لو أن ابنتي قتلت من قبل الإرهابيين، لكانوا أمسكوا القاتل. ولكن لأن ابنتي قتلت من قبل مسؤول في الدولة، لا توجد وسيلة لاتخاذ إجراءات. استمر التحقيق لمدة ثلاث سنوات، ولم يقدم أي شخص للمحاكمة.”
قالت نظمية إن أطفالها الآخرين أيضا يعانون من الاضطراب. ورأى شقيقها قدير ما حدث وترك المدرسة. وعلى الرغم من أن قدير قد طلب المساعدة من محترفين، إلا أنه لم يتمكن من التعافي بشكل كامل.
وفُصل والد هيلين من وظيفته كسائق حافلة في المدينة لأنه أصر على مواصلة متابعة القضية القانونية لهيلين. وقالت نظمية إنه على الرغم من أمراض مثل السكري وارتفاع ضغط الدم، فقد اضطر زوجها للعمل في وظيفة تتطلب جهداً جسدياً أكبر إذ اشتغل بأعمال البناء.
وقالت نظمية “نحن أصحاب الحق، وفُصل زوجي من العمل لأننا كنا نواصل متابعة القضية. فهم يقتلون أطفالنا ويعاقبوننا. عاقبوننا بقدر ما تريدون، لكنني لن أتخلى عن هذه القضية حتى لو كان علي أن أتسول من أجل الحصول على الطعام. لقد عرضوا علي وظيفة دائمة ومالاً حتى نتخلى عن الدعوى. لكنني لن أستسلم”.
الألم الذي تشعر به أسرة سين لا يقتصر عليهم. كان القتال الذي اندلع في جنوب شرق تركيا في العام 2015 ما هو إلى استئناف لما يقرب من ثلاثة عقود من الصراع بين الدولة وحزب العمال الكردستاني. ووفقاً لمجموعة الأزمات الدولية، منذ يوليو 2015 قُتل 3917 شخصاً، 452 منهم من المدنيين.
قالت نظمية “في الشرق، أصبح موت الأطفال والبشر مثل قتل النمل. إذا كانت هناك عدالة وإذا أطلق ضابط النار على أحدهم، فإنك ستعاقبهم… لقد لقي كثيرون من كبار السن والشباب والأطفال والمدنيون حتفهم. كثيرون. لم يخضع أي شخص للمساءلة. أي نوع من العدالة هذا؟ أنا أسأل كأم كيف نثق في الدولة؟”.