التصنيفات
ahvalnews

ولي إينجو: لقد حرمتني الدولة من عائلتي

أود، بمناسبة الذكرى الثامنة لمذبحة روبوسكي، التي حلت في الأسبوع الماضي، أن أغتنم هذه الفرصة لأحدثكم عن رجل جميل، نعرفه جميعًا، هو صديقي ولي إينجو.

تعرفتُ، للمرة الأولى، على ولي في مدينة روبوسكي الكردية أثناء وجودي هناك في ربيع عام 2014 عندما كانت الاتصالات لا تزال جارية مع الحكومة التركية من أجل إحلال السلام في المناطق الكردية. رأيتُ ملصقات وصورًا لمذبحة روبوسكي كانت معلقةً على زجاج الجمعية؛ من بينها لوحة كبيرة مكتوب عليها عبارة “العدالة من أجل روبوسكي، وإحلال السلام هناك”. كانت الجمعية تتكون من غرفة واحدة كبيرة بها موقد صغير لإعداد الشاي.

كان الشباب، الذين فقدوا أرواحهم في تلك المذبحة، يأتون للسمر وقضاء بعض الوقت في هذا المكان، الذي كان يستخدم كمقهى يتردد عليه أهالي البلدة قبل المذبحة. كانت صور الذين قُتِلوا في روبوسكي معلقةَ على أحد الجدران في الداخل. وجدنا بانتظارنا أمهات روبوسكي، اللاتي استقبلننا وفي أيديهن صور أبنائهن، الذين فقدوا أرواحهم في هذه المذبحة البشعة. كنَّ يربتن على صور أبنائهن برفق كما لو كانت هذه الصور نابضة بالحياة بين أيديهن.

لم يمر وقت طويل على تأسيس هذه الجمعية، وكان هناك مقترح في البداية لتحويل المكان إلى متحف. وبعد لقائنا الأمهات توجهنا جميعًا إلى مقابر روبوسكي. كان ولي يقول، وهو يسير بنا بين المقابر، “انظروا! هذا قبر أخي، وهذا قبر ابن أخي، أما هنا فيرقد ابن عمي..”. كان معظم أفراد عائلة ولي مدفونين في هذا المكان. وعلى الجهة المقابلة من المقابر، كانت نقاط المراقبة الأمنية، التي يبدو أنهم بنيت فوق مكان مرتفع، تظهر أمامنا بوضوح.

تطل نقاط المراقبة الأمنية على  روبوسكي بأكملها، وربما هذا الذي جعل ولي يعلق على هذا بقوله “هل ترون كيف تبدو روبوسكي من فوق تلك التبة هناك؟ّ! تستطيع تلك النقاط الأمنية المتمركزة هناك رؤية كل شخص في البلدة بوضوح من موقعها. وهذا يعني أنه لا يمكن لأحد أن يقتل آخر عن طريق الخطأ من ذلك المكان”. كانت هذه التبة تكشف بالفعل البلدة بكاملها بجميع منازلها حتى أنه يمكنك أن ترى بوضوح من ذلك الموقع كل شخص يخرج أو يدخل إلى بيته.

لقد تكررت لقاءاتي بعد هذه الزيارة بولي وأهالي روبوسكي. وكانوا في كل مرة يأتون فيها إلى ديار بكر يحلون ضيوفا عليَّ، وصادف ذلك في بعض الأحيان يوم “عيد الأم”. تمثل جمعية روبوسكي قيمة كبيرة في حياتهم؛ إذ أنها كانت المكان الذي يجتمع فيه الأهالي هناك ويتشاركون آلامهم. تقوم الجمعية كذلك بتنظيم العديد من ورش العمل، كما تقدم الدعم النفسي لأطفال روبوسكي، الذين شهدوا هذه المجزرة، حتى يتخلصوا من الصدمة، التي تعرضوا لها، وتحاول الجمعية، بالإضافة إلى هذا، تقديم أشكال أخرى متواضعة من الدعم مثل تقديم إعانات لأهالي البلدة الذين يضطرون إلى السفر إلى مدن مختلفة أخرى.

وبدلا من أن تقوم الدولة بمحاكمة الذين قتلوا 34 شخصا من أهالي البلدة، فرضت طوقا خانقا على الأهالي هناك طوال السنوات الثماني الماضية، وتعرض الكثيرون منهم، وعلى رأسهم صديقي ولي، للاحتجاز عدة مرات. تعرضوا، خلال هذه الفترة، لشتى أنواع الضغط، ووصل الأمر بالسلطات التركية هناك إلى توقيع  غرامات مالية ضخمة على عدد من أهالي البلدة بسبب تركهم القرنفل على الأرض في المكان الذي وقعت فيه المذبحة. وفي يوم 29 مايو عام 2016 لحق شابان آخران من أهالي روبوسكي بمن قتلوا في هذه المجزرة. واستهدفت قوات الشرطة، المتمركزة في المكان، بعض الأهالي، الذين ذهبوا للتجارة على أطراف البلدة، بقذائف الهاون مما أدى إلى وفاة اثنين منهم هما وداد إينجو، التي لم تكن قد تجاوزت السادسة عشرة من عمرها، ووسيم القرية ابن الثامنة عشرة يلماز إينجو.

لم تكتفِ السلطات بما قامت به؛ فرأت أن الدور قد حان على جمعية روبوسكي نفسها، ومن ثم قامت بإغلاقها في نهاية عام 2016 بموجب مرسوم قرار. باختصار، لقد ضيَّقت الدولة الخناق على أهالي روبوسكي، ولم تترك أمامهم متنفسا يداوون به جراحهم، فكانت النتيجة أن تلك الجراح كانت تزداد عمقا مع كل يوم يمر.

كانت آخر مرة قابلت فيها ولي في ديار بكر، كان هذا في الربيع، وكان يشعر حينها بضيق شديد بسبب رفض المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الطلب الذي تقدموا به من أجل فتح تحقيق في مذبحة روبوسكي، بذريعة أن “المحامين تأخروا يومين في إرسال المستندات  إلى المحكمة”.  كان حزينًا للغاية. وأذكر أنه قال لي، تعليقا على هذا الإهمال، الذي لا يصدقه عقل  “لقد متنا اليوم مرة أخرى”.

وبعد أسابيع قليلة من لقائي به، قامت قوات الأمن في 22 مايو بإلقاء القبض عليه، واحتجازه مدة يومين؛ لتوجه إليه بعدها تهمة “الانتماء لمنظمة إرهابية”. وفي سرية تامة، عقدت جلسة محاكمته الأولى في 3 ديسمبر. وعلى الرغم من أن الشابين، الذين أدليا بشهادتيهما ضد ولي قد غيرا أقوالهما، إلا أن السلطات التركية لا تزال تصر على استمرار احتجاز ولي إلى الآن. وبالفعل تحدد موعد الجلسة القادمة في 9 يناير 2020.

ظل ولي أحد قادة النضال من أجل العدالة في روبوسكي طيلة هذه السنوات الثماني؛ الأمر الذي أثار غضب الدولة وحنقها ضده. يقبع صديقي الآن داخل السجون. وفي الخارج تنتظره بناته الثلاث، روجبين البالغة من العمر خمس سنوات، وروزرين ابنة السنوات الأربع، ورفرين لم يتجاوز عمرها عامًا واحدًا.

هذا وقد داهمت قوات الشرطة في 27 فبراير 2016 المنزل الخاص الذي يقيم فيه فرحات إينجو وولي إينجو في مدينة “إيدِل” التابعة لمحافظة شرناق. نشر ولي، فيما بعد، الحوار الذي دار مع رجال الشرطة على موقعه على وسائل التواصل الاجتماعي على النحو التالي:

– أين الأسلحة؟ أين القنابل؟

– إذا لم تخبرنا سنقتلكم جميعا. أيها الإرهابيون، الخونة، سنقتلكم جميعا.

-أين تقيم؟

– روبوسكي.

– إذن أنت من أقارب الإرهابيين اﻟـ 34، أين روبوسكي تلك؟ في أي دولة تعيش أنت؟ ماذا فعلت لك الدولة حتى تفعل هذه الأمور؟

– لقد حرمتني الدولة من عائلتي.

حرمت الدولة ولي من عائلته، ومع ذلك لم يعرف الملل طريقا إليه، واستطاع أن يكوِّن أسرة جديدة خلال هذه السنوات الثماني. الآن أنتظر منكم جميعا ألا تلتزموا الصمت حيال قضية صديقي ولي، التي يحين موعدها يوم 9 فبراير القادم، أنتظر من أهالي روبوسكي أن يجاهروا باعتراضهم؛ حتى لا يستطيع أحد أن يحرم ولي من عائلته مرة أخرى.

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي المؤلف ولا تعكس بالضرورة رأي أحوال تركية.

 

يمكن قراءة المقال باللغة التركية أيضاً: