التصنيفات
ahvalnews مقالات

نهاية المجتمع المدني في تركيا | أحوال تركية

منذ خمس سنوات، حين التقينا مع نظرائنا في الشرق الأوسط وأوروبا، كنا فخورين بمجتمعنا المدني النشط في تركيا. ففي كل من غرب تركيا والمنطقة الكردية، كان عندنا عدد كبير للغاية من منظمات المجتمع المدني النشطة والمنظمات غير الحكومية المعنية بالتعامل مع عدد من القضايا مثل النساء والأطفال والفقر والتنمية والتهجير القسري والعمل الخيري والمثليين والمثليات ومزدوجي الميول الجنسية والمتحولين جنسيا والحركات البيئية وما إلى ذلك. من الشرق إلى الغرب، كانت هناك مجموعة متنوعة كبيرة من المنظمات المدنية الفعالة.

وباعتباري شخصا أعطى 20 عاما من عمره للمجتمع المدني، يؤلمني أن أرى تدهور هذا المجتمع في تركيا اليوم. فالمجتمع المدني برمته يتعرض للهجوم في تركيا حاليا.

لنلق نظرة فاحصة على أبرز الهجمات التي تعرض لها المجتمع المدني التركي في السنوات القليلة الماضية:

في شهر يوليو من العام 2016، بعد إعلان حالة الطوارئ، جرى إغلاق 1419 منظمة من منظمات المجتمع المدني في غضون عامين بموجب مراسيم الطوارئ. فجمعيات المحامين والمنظمات غير الحكومية المعنية بالسلام والثقافة الكردية والأطفال وحقوق المرأة والهجرة القسرية والفقر وقضايا الأقليات والرابطات الرياضية وجمعيات التضامن قد أغلقت جميعا.

وفي شهر يونيو من العام 2017، ألقي القبض على رئيس فرع منظمة العفو الدولية في تركيا تانر كيليش واتهم بالانتماء لمنظمة إرهابية، وتحديدا حركة غولن التي تتهمها الحكومة بتدبير محاولة الانقلاب التي جرت في العام 2016.

وبعدها، جاءت قضية بيوك آدا في يوليو 2017. ففي مداهمة للشرطة، جرى اعتقال عشرة من المدافعين عن حقوق الإنسان أتوا معا إلى جزيرة بيوك آدا في إسطنبول لتنظيم ورشة عمل بخصوص الأمن الرقمي وحماية المدافعين عن حقوق الإنسان. معظم هؤلاء يشغل مناصب عليا في المجتمع المدني التركي، بما في ذلك جمعية المواطنين ومنظمة العفو الدولية وائتلاف المرأة وجمعية أجندة حقوق الإنسان وجمعية مراقبة المساواة في الحقوق ومبادرة الحقوق. وبعد أربعة أشهر قضوها في السجن، جرى إطلاق سراحهم ولكنهم مُنعوا من السفر إلى الخارج. وأُضيف كيليش إلى ملف قضية بيوك آدا وقبع في السجن ثلاثة عشر شهرا.

وبعد بيوك آدا، جاء اعتقال عثمان كافالا في شهر أكتوبر من العام 2017. وكافالا واحد من أهم شخصيات المجمتع المدني التركي، ويقبع في السجن منذ ذلك الحين دون اتهام رسمي. واتهم الرئيس التركي كافالا بتمويل “إرهابيين” – مجموعة الطلبة التي نظمت احتجاجات متنزه غيزي في العام 2013، أكبر مظاهرات مناوئة للحكومة منذ تولي حكومة الإسلاميين السلطة في العام 2002. وقبل ثلاثة أشهر حين كنا نتوقع إطلاق سراح كافالا، أصبنا بالصدمة مجددا عندما احتجز 14 ناشطا من نشطاء المجتمع المدني على صلة بمنظمة كافالا التي تعرف باسم منظمة الأناضول الثقافية. ومن بين هؤلاء الرئيس السابق لمؤسسة المجتمع المفتوح (مؤسسة سوروس) وعدد من أساتذة القانون المحترمين. تم إطلاق سراح ثلاثة عشر منهم. وبعد مرور أسبوعين، أعلنت مؤسسة المجتمع المفتوح في تركيا أنها ستوقف أنشطتها في البلاد. ولا يزال احتجاز كافالا بدون اتهام رسمي واحدا من أكبر التهديدات التي تحدق بالمجتمع المدني.

تلك مجرد مجموعة قليلة من القضايا الكبيرة. لكن الكثير من القضايا الأخرى المنظورة أمام المحاكم بحق نشطاء حقوق إنسان وصحفيين ومحامين وأكاديميين متخصصين في شؤون السلام أقل شهرة ما زالت مستمرة اليوم.

لم تكن المحاكمات القضائية والسجن هما الوسيلتان الوحيدتان التي تستخدمهما الدولة لتقويض المجتمع المدني. ففي العام الماضي، دخلت قوانين جديدة بشأن المجتمع المدني حيز التطبيق. وتعين على جميع مؤسسات المجتمع المدني إرسال أسماء أعضائها إلى الحكومة المحلية. وفي الأسبوع الماضي، أخبرني زميل يعمل لدى إحدى المنظمات غير الحكومية المعنية بشؤون اللاجئين أن مسؤولا حكوميا يجب أن يرافقهم وهم يقومون بعملهم الميداني. كما يريدون المشاركة في الاجتماعات وتسجيلها. وتساءل صديقي قائلا: “ما الذي يمكن أن يقوله اللاجئ عن مشاكله أمام مسؤولي الدولة وهم يعلمون أنه سيتم تسجيل حديثهم؟”.

في الوقت ذاته، تؤسس الدولة منظمات المجتمع المدني الخاصة بها. وبدعم وتمويل من الدولة، جرى إنشاء منظمات غير حكومية جديدة (والتي يطلق عليها اسم gongos، الذي يعني “المنظمات غير الحكومية التي تنظمها الحكومة”)، إذ من المفترض أنها تمثل المجتمع المدني التركي داخل تركيا وخارجها. لكن تلك المنظمات لا تمثل المجتمع المدني التركي ولن تنتقد سياسات الحكومة.

قالي لي ممثل لإحدى منظمات حقوق الإنسان: “المجتمع المدني يحتضر في تركيا. نحتاج إلى الدعم الدولي لأننا اختنقنا. معظمهم يغادر تركيا مع الأسف”.

ليس المجتمع المدني وحده من يحتضر في تركيا اليوم، بل كذلك تنوعنا الثقافي والحوكمة والديمقراطية. ولكن، من يكترث؟.