التصنيفات
ahvalnews مقالات

مناطق جنوب تركيا في حالة يرثى لها.. لكن ما تزال صامدة | أحوال تركية

في الأيام الأولى من العام الجديد. أغادر منزلي في ديار بكر، العاصمة الفعلية لجنوب شرق تركيا، في وقت مبكر من الصباح متوجهة إلى جزيرة ابن عمر، وهي ضاحية تقع على طول الحدود مع سوريا. نسير في طريقنا في الضباب. وتبدأ نقاط التفتيش في منتصف طريق رحلتنا، حول نصيبين. وقد رُسمت الأعلام التركية على الحواجز الخرسانية عند نقاط التفتيش.
أتجنب النظر إلى يميني بقدر ما أتجنب النظر إلى الجدار المرتفع الذي بُني على الحدود مع روج آفا، الاسم الكردي لشمال سوريا. وبعد المرور من التدابير الرقابية عند مدخل جزيرة ابن عمر، أدخل إلى مدينة تهطل عليها الأمطار الغزيرة بصورة ثابتة.
ولجزيرة ابن عمر مظهر فوضوي وحي لكنه كئيب. أسير في طريقي إلى مبنى حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد. هناك أحاديث عن الانتخابات الأولية التي أُجريت الأسبوع الماضي، والتي اختار فيها الناخبون المرشحين لمناصب رؤساء البلديات والذين سيخوضون الانتخابات المحلية التي من المقرر أن تُجرى خلال الأشهر القليلة القادمة.
أعلم أنه في يوم الانتخابات الأولية كان المبنى مليئا عن آخره وكانت نسبة المشاركة عالية. فقد كان هناك إجمالي 14 مرشحًا أوليًا هم تسعة رجال وخمس سيدات. وأدلى 430 ناخبًا بأصواتهم. وسيتم اختيار رؤساء البلديات المشاركين لجزيرة ابن عمر من بين أعلى ثلاثة مرشحين من الرجال والنساء.
وخلال السنوات القليلة الماضية كانت الحكومة المركزية تقوم بتعيين أمناء لإدارة الحكومات البلدية من أجل اجتثاث المعارضة الكردية في الإقليم. وقبل تعيين الأمناء، كانت الحكومة البلدية لجزيرة ابن عمر لديها 40 مليون ليرة تركية. أما اليوم، فإن الحكومة البلدية عليها ديون قيمتها 230 مليون ليرة. 
وقال شخص ما لي “سيكون من الصعب للغاية على رئيس البلدية المنتخب التعامل مع هذه الديون”. ويقول آخر “حسنًا. يجب أن نفرض إرادتنا وننتخب شخصًا ما، أما الشعور بالقلق حيال الباقي فلنتركه إلى وقت لاحق “. ويقولون إن 150 أمينًا حكوميًا تم إحضارهم من مدن الأناضول مثل ملطية ويوزغات وقيصري ومرعش وتم تعيينهم في البلديات.
وهناك تدفق لا ينتهي لمن يدخلون ويخرجون من المبنى. وسألت “كم عدد الأصوات التي سيحصل عليها حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات؟” وكان الاجماع أن حزب الشعوب الديمقراطي سيفوز بنسبة لا تقل عن ثمانين بالمئة في الانتخابات. وقال أحد الموجودين في الغرفة معلقًا “تلعب الحكومة الكثير من الألعاب، لكن جزيرة ابن عمر لن تنحني؟”
ونحن نتحدث عن مباني التي بنتها إدارة الإسكان والتنمية لتحل محل المباني التي تم هدمها خلال حالات حظر التجول التي فرضتها الحكومة في عام 2015. وتم توزيع مفاتيح 100 منزل مؤخرًا، لكن هذه الأسر لم تحصل بعد على خطط للمدفوعات. وتبدأ تكلفة الشقة الواحدة من 170 ألف ليرة تركية.
وتوجد خنادق في جميع أنحاء جزيرة ابن عمر. والطرق مليئة بالحفر. ولا يمكننا دخول الكثير من الشوارع بالسيارة بسبب الخنادق الكبيرة. وسألت الدليل الذي يصحبني من جزيرة ابن عمر “لماذا لا يُصلح مجلس الأمناء هذه الحفر”. ورد قائلًا “إنهم يملؤون هذه الخنادق بأرخص أنواع القطران (الأسفلت)، وفي غضون شهر واحد ينهار هذا القطران”.
وشرعت مجالس الأمناء الأخرى في الإقليم في بعض المشاريع، حتى وإن كانت فقط من أجل الاستعراض، مثل زراعة أزهار وتركيب إضاءة زخرفية بطول الطرق وفي الجزر الموجودة في وسط الطريق.
وقد أدهشني هذا عن جزيرة ابن عمر. ويبدو أن الحكومة لا تشعر حتى بالحاجة إلى العمل على مشاريع من أجل الاستعراض. فشوارع جزيرة ابن عمر في حالة دمار.
وقد اختفت الحصى الكبيرة القديمة من الشوارع. ويقول لي دليلي “حظر حاكم المقاطعة استخدام الحصى الكبيرة لأنه يسهل وضع ألغام أسفل منها”.
وبينما كنت أخوض في الوحل في الشوارع أثناء المطر، مررت برسم على الجدار. يقول “نهاية الطريق مملوءة بالحفر”. وابتسمت.
وقال لي أحد مواطني جزيرة ابن عمر والذي كان بجواري “سيدة نورجان، كان هناك شعار موجود يقول ‘يمكنك أن ترى بنفسك، أنت لا تريد منا أن نُخبرك’ هذا هو الحال مع جزيرة ابن عمر، كل جزء منها مدمر، يمكنك رؤية حالة الشوارع بنفسك، أنت لا تريدين منا أن نخبرك بحالتها”.
وشوارع جزيرة ابن عمر ليست هي الهيكل الوحيد المدمر. ففي داخل المباني وخارجها، في كل مكان هناك حالة يرثى لها، وتحمل علامات ثلاث سنوات مضت، خلال الاشتباك العنيف بين القوات الحكومية والمعارضة الكردية. وهناك ثقوب رصاص في كل مكان. وفي أحد المنازل التي قمت بزيارتها والتي تعرضت لقصف صاروخي منذ ثلاث سنوات مضت، يوجد ثقب كبير أسفر عنه الصاروخ في جدار غرفة المعيشة.
ويطل مركز ميم وزين الثقافي، والذي ما زال يُستخدم كمركز للشرطة، على جزيرة ابن عمر بالكامل من فوق تل. ومثلما هو الحال في ديار بكر، فإن هناك أعلامًا وصورًا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان معلقة في الشارع كل بضعة مترات قليلة في جزيرة ابن عمر. 
وعلى عكس ديار بكر، فإن جزيرة ابن عمر مملوءة بالدبابات، وحافلات مكافحة الشغب، والسيارات المصفحة. ونمر أمام مدرسة فاتح العليا. وبعدما تحولت المدرسة إلى مركز للشرطة خلال فرض حالات حظر التجول، فإن المدرسة ما تزال تُستخدم كمركز للشرطة حتى يومنا هذا. وهناك أحاديث عن زيادة استخدام المخدرات خلال العامين الماضيين. وفي الحقيقة، فقد مات شاب من جراء تناول جرعة زائدة منذ أشهر قليلة مضت.
وأشاهد الكثير من الناس عائدين من المقابر. وهناك الكثير من العائلات تقضي ليالي أيام الجمعة في الجبانة. ويبدو أنه لا توجد عائلة لم تفقد شخصًا في الحرب. وقد قمت بزيارة مجموعة من الأسر على مدار اليوم.
والأطفال مذعورون عاطفيًا. ففي أحد المنازل التي قمت بزيارتها، يسأل الطفل البالغ من العمر سبع سنوات والذي فقد والده خلال فرض حالات حظر التجول “هل هناك حرب هنا يا أمي؟”
ويعبر طفل آخر في أحد المنازل قائلًا “لا أريد الذهاب إلى المدارس التي تديرها الدولة”. وفي منزل آخر، تخبرني امرأة عن ابنها الذي مازال في عداد المفقودين. وعلمت أنه لم يتم العثور بعد على جثث 15 شابًا ماتوا خلال فرض حالات حظر التجول.
ويقول أب فقد ابنه “يتحدث بعض الناس عن الجحيم، لكني رأيته بأم عيني”. وتقول لي إحدى الأمهات كيف أنها لم تستطع إنقاذ طفلها الذي كان على بعد خمسين مترًا منها.
وعلى الرغم من كل هذه الصعوبات، فإن مواطني جزيرة ابن عمر مازالوا صامدين. وأنا في حالة دهشة من جزيرة ابن عمر مرة أخرى. وعندما سألت امرأة فقدت ابنيها خلال حالات فرض حظر التجول ما إذا كان السلام ممكنًا، ردت قائلة:
“عندما تدخلين كهفًا، وترين قطرات المطر قد أسفرت عن عمل حفرة. يمكنك التفكير فقط في أن قطرة ماء أذابت الحجر. أعتقد أن أولئك الذين يقاومون سينتصرون، وسيحل السلام”.