التصنيفات
ahvalnews مقالات

ما الذي سيحمينا من أمثال هتلر في تركيا؟ | أحوال تركية

قبل 70 عاما من اليوم، تكاتفت مجموعة من الرجال والنساء البواسل من أجل تبني الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يمثل علامة فارقة في تاريخ الحضارة.

ففي أعقاب أهوال الحرب العالمية الثانية، قرر الناس أنهم بحاجة إلى وثيقة، آلية تحمي البشرية في المستقبل من أي فظائع على غرار محرقة الهولوكوست. كان مصدر الإلهام الرئيسي للإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو القتل الجماعي الوحشي الصادم الذي ارتكبه النازيون بحق اليهود الأوروبيين والغجر وغيرهم من المجموعات المهمشة. فقد أراد العالم واستشعر حاجته للتذكير بالكرامة المتأصلة في الإنسان.

وبعد أجيال قليلة، داس طغاة الديكتاتورية كرامة الإنسان بأقدامهم من جديد.

منذ أربع سنوات، حين هاجم تنظيم الدولة الإسلامية قرى إيزيدية في شمال العراق، ذهبت إلى المنطقة وبدأت العمل الطوعي في تقديم المساعدات بمخيمات الإيزيديين. توجهت إلى الموصل والتقيت بنساء إيزيديات جرى بيعهن في سوق السبايا. شاهدت انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان، من اغتصاب واسترقاق وإبادة جماعية وفقدان للكرامة الإنسانية.

وفي الآونة الأخيرة، رأيت انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان في بلدي.

فخلال حظر التجول العسكري في عامي 2015 و2016، حين تعرضت مدينتي ديار بكر، أكبر مدينة في جنوب شرق تركيا، لقصف كثيف من القوات المسلحة التركية، تُركت الجثث ملقاة في الشارع لأشهر، وأُحرق عشرات الأشخاص أحياء بينما كانوا يختبئون في الأقبية، وتعرض المعتقلون للتعذيب، بل وأكثر من ذلك بكثير.

لم يمنع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الدولة التركية من ارتكاب الانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب بحق مواطنيها.

لقد أغمض المواطنون الأتراك والمجتمع الدولي أعينهم إلى حد كبير عن هذه الجرائم وعن المشاكل المستمرة في منطقتهم. وحري بنا أن نتذكر أن هتلر لم يأت إلى السلطة بفضل دعم الشعب الألماني فحسب، بل لأن بقية العالم أيضا غض الطرف عن أفعاله التي أصبحت مثيرة للقلق المتزايد.

إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يمثل قوة أخلاقية لنا جميعا. لكن في مواجهة الأنظمة الديكتاتورية والفاشية، نحتاج لأكثر من القوة الأخلاقية. فهذا الإعلان لم يحل دون اضطرار أم الفتاة جميلة ابنة العشرة أعوام إلى وضع جثة طفلتها في الثلاجة للحفاظ عليها من التحلل والتعفن، ولم يمنع حرق أكثر من 150 شابا كرديا وهم أحياء في أقبية جزرة. ذلك الإعلان لم يمنع القوات الحكومية من تدمير موقع عمره سبعة آلاف عام من مواقع التراث العالمي المسجلة لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في وسط ديار بكر مسقط رأسي.

وفي السنوات الأخيرة، بات وصف الإرهابي يُطلق على أي شخص يدعو إلى السلام واحترام حقوق الإنسان في تركيا، ويُزج به في السجن أو يُجبر على مغادرة البلاد، وهي جميعها انتهاكات للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي وقعت عليه تركيا قبل 69 عاما لكنها لم تدخله حيز التطبيق بعد.

وبعد مرور 70 عاما على الإعلان، لا تزال شعوب العالم عرضة لقسوة طغاة الديكتاتورية والمستبدين. فالملايين يواجهون التطهير العرقي والإبادة الجماعية والاضطهاد والتمييز وانعدام الحريات الأساسية وغيرها من الفظائع. وفي الأسبوع الماضي، حذرت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه من أن النظام العالمي “الذي عزز فعالية رؤية الإعلان العالمي تقوضه الحكومات والساسة الذين يركزون بشكل متزايد على المصالح القومية الضيقة”.

وعلى الرغم من أنني شاهدت عددا لا حصر له من انتهاكات حقوق الإنسان، دائما ما كانت أعتقد أن الكرامة الإنسانية ستنتصر في نهاية المطاف. لكن بعد ما رأته عيناي، من الموصل إلى جزرة، ومن سنجار إلى كوباني، ومن شرناق إلى ديار بكر، باتت الشكوك تساورني الآن. فحقوق الإنسان لم تهن بهذا الشكل من قبل، ولم تكن حياة الإنسان قط بهذا الرخص، ولم تدهس كرامة الإنسان يوما على هذا النحو.

بعد مرور 70 عاما على تكاتف مجموعة من الأشخاص البواسل للاتفاق على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حان الوقت لاتخاذ خطوة أخرى شجاعة. لقد آن الأوان لإخبار جميع الأنظمة والدول والطغاة بأن حقوق الإنسان حق للبشرية حقا. فهي ليست محلية أو ثقافية، ولا غربية ولا شرقية، ولا إقليمية ولا وطنية. بل هي عالمية، واحترامها ليس اختياريا، إنما هو التزام قانوني، ومنتهكو تلك الحقوق يجب أن يواجهوا عواقب أشد.

غير أن الواقع المحزن هو أن الدول والزعماء يواصلون انتهاك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان دون أي عواقب حقيقية. اليوم، لا توجد حماية حقيقية لشعوب العالم من الإبادة الجماعية أو الفظائع المنهجية. واليوم إذا بقي طغاة الديكتاتورية في الحكم، واستمر الاسترقاق، وإذا بقينا في بلدي نتوسل من أجل دفن أحبائنا بكرامة، وإذا سُجنا بسبب مطالبتنا بحقوق الإنسان، فلن يكون رئيسنا وغيره من القادة هم المذنبين فحسب، بل كلنا جميعا.

بدون محاسبة، وبدون آليات لمواجهة الإفلات من العقاب بكل قوة، ستستمر تلك الفظائع. فهل نريد حقا أن تعني كلمة “لن يحدث مرة أخرى” عدم تكرار الأمر بكل ما يحمله ذلك من معنى؟ إذا كنا نريد ذلك، فإننا نحتاج لتأسيس سلطة شرعية قادرة على معاقبة المنتهكين بما يستحقون وإنقاذ الناس من جميع أنواع الفظائع. دعونا نؤسس آلية عالمية قوية تحمينا من أمثال أدولف هتلر في المستقبل.

نعرف أنهم موجودون. لذا، فلنتأكد من أننا مستعدون لإيقافهم.