عدت إلى موطني مرة أخرى، بعد غياب طويل. تشتعل قريتي بحرارة الصيف وتحاول مواجهة الفيروس الذي ضرب العالم. يعرف كل شخص تحدثت إليه قريبا أو جارا ثبتت إصابته بكوفيد-19. كما علمت بإصابة بعض أقاربي أيضا.
أصبحت المستشفيات في ديار بكر، وهي أكبر محافظة ذات غالبية كردية في تركيا، شبه ممتلئة. وبقي معظم المرضى في منازلهم، محاولين نيل العلاج بدعم من الأطباء عن بعد.
يموت المدنيون كل يوم. ويرتدي معظم السكان أقنعة ويحاولون اتخاذ الاحتياطات الفردية مع افتتاح المدارس جزئيا للأطفال الذين سيجتازون امتحانات هذه السنة، مثل ابني. في المدرسة، يتركون صفا من الطاولات الفارغة بين التلاميذ بالإضافة إلى التدابير المعمول بها في المؤسسات التعليمية. لكن الأطفال يكسرونها بطريقة أو بأخرى. لذلك نواصل نحن، العائلات، حياتنا على أمل ألا يحدث شيء.
لا توجد متاجر مغلقة في المدينة. وتستمر حفلات الزفاف، بينما يقول من ينتقدون الحشود في الأعراس والجنازات إنهم يفضلون عدم الحضور، لكن الالتزامات الاجتماعية تفرض عليهم الاستجابة للدعوات. ولا تبدو ديار بكر قادرة على إحراز تقدم ضد فيروس كورونا المستجد ما لم تحظر جميع حفلات الزفاف والجنازات.
زرت منطقة سور القريبة من قلبي بعد أن شهدت دمارا شبه كامل بعد انهيار عملية السلام بين تركيا وحزب العمال الكردستاني المحظور في 2015 وعودة الاشتباكات العنيفة.
في سور، كان عدد الأشخاص الذين يرتدون الأقنعة أقل. ولم يكن أصحاب المتاجر حريصين على ارتدائها أيضا. أخبرني كل واحد تحدثت إليه أنه يمكن إجبارهم على الإغلاق قريبا.
بعد انهيار عملية السلام في صيف 2015، أعلن حزب العمال الكردستاني الحكم الذاتي في عدد من المقاطعات، مما أثار استجابة واسعة النطاق من قوات الأمن التركية. وأدت الاشتباكات المستمرة لأشهر في مراكز المدن بين قوات الأمن وجناح الشباب في حزب العمال الكردستاني، وحظر التجول على مدار الساعة إلى نزوح أكثر من 22 ألف شخص من سور.
وما زال حظر التجول الذي أُعلن في البداية مستمرا حتى اليوم في ستة أحياء. وسوف أتوسع في هذه النقطة في مقال لاحق.
كما ارتفعت البطالة منذ 2015 وأصبح الاقتصاد في طريق مسدود. يبحث الجميع عن عمل. بينما تغلق جميع المصانع التي فتحتها الحكومات المختلفة أبوابها واحدا تلو الآخر. وأصبحت المنطقة الصناعية في ديار بكر تحتضر.
في سور، بدأ بناء منازل جديدة بعد أن دُمّرت المنطقة بأكملها تقريبا. وتبقى هويّة الذين سيستلمون المنازل الجديدة المشيّدة في الأحياء التي ما زالت تحت حظر التجول غير واضحة.
بعد غروب الشمس، رأيت شوارع سور مهجورة. كانت القمامة في كل مكان. وكان الباعة المتجوّلون، ومعظمهم من الأطفال، يحزمون بضائعهم. شاهدت الفقر ينتشر في مدينتي التي يبلغ عمرها سبعة آلاف سنة وسرت على طول حدود حي يُحظر فيه التجول.
أوقفني صديق في الطريق.
قال: “أهلا بك في موطنك، أختي”.
أجبته: “شكرا جزيلا. كيف تجري الامور”؟
أجابني: “أسوأ كل يوم يا أختي. لا نجد طعاما نعود به إلى المنزل”.
كان ذلك موضوع حديثنا. تحدثنا عن الأزمة الاقتصادية والفقر. ولاحظت أن السياسيين لم يعودوا يتحدثون عن السلام. والشعب لا يهتم أيضا.
لذلك، وفي نهاية حديثنا ، سألت صديقي: “ولكن، ماذا عن السلام؟”
فقال: “نسينا ذلك يا أختي”.
مع احتفالنا باليوم العالمي للسلام في تركيا في أول يوم من شهر سبتمبر، تحول السلام إلى حلم قديم نبتعد عنه كل يوم.