فقدت المرأة في تركيا خلال السنوات الأخيرة الكثير من المكاسب التي ظلت لسنوات عديدة تكافح من أجل الحصول عليها. وكانت المحافظات التي يقطنها الأغلبية الكردية أكثر الأماكن التي تراجع فيها دور المرأة بشكل كبير، مقارنة بأماكن أخرى في تركيا.لقد نجح الأكراد طوال فترة 17 عاماً، تولوا خلالها أمر الإدارة المحلية في الأماكن ذات الأغلبية الكردية، في اكتساب خبرة كبيرة في إدارة البلديات في تلك المناطق؛ فخرجوا بها عن النظام التقليدي المعمول به في أماكن أخرى في تركيا. استند الأكراد في إدارتهم للمؤسسات إلى التمثيل المتكافئ بين الرجال والنساء، ونجحوا، انطلاقاً من ذلك، في هيكلة البلديات والقرى التابعة لها.لم يكتفِ الأكراد بتأسيس إدارات للسياسة النسائية، التي انتشرت في كل بلدية تقريباً، فقاموا أيضاً بإنشاء المراكز النسائية، ودور الإيواء، والمخابز، ومحال غسيل الملابس؛ مما جعل حياة النساء في تلك المناطق أكثر سهولة. كانت لديهم النية الصادقة لتعظيم دور المرأة ومشاركتها في المجتمع لأقصى حدٍ ممكن.قامت البلديات بمحاكاة الأكراد في تطبيق إجراءات أقل ما يطلق عليها أنها إجراءات ثورية في مجتمع ذكوري يُهيمن عليه الذكور دون النساء. وكان لهذه الإجراءات الأثر البالغ، الذي سرعان ما ظهر أثره في المجتمع خلال فترة وجيزة. وامتدت مشاركة المرأة في المجتمع حتى تقلَّدت مناصب رفيعة مثل رئاسة منظمات المجتمع المدني، بل أصبح من السهولة بمكان تلمُّس مدى انخراط المرأة الكردية في الحياة الاجتماعية في أي مكان، حتى عندما تذهب إلى أية جمعية تعاونية في أية قرية في المناطق التي يسكنها الأكراد.ظل الوضع على نفس الوتيرة حتى قامت حكومة حزب العدالة والتنمية بتعيين حارس قضائي على البلديات؛ فحمل هؤلاء المُعيَّنون من قبل الدولة على عاتقهم تدمير جميع المكتسبات التي ناضلت لأجلها المرأة الكردية لسنوات طوال؛ إذ قام الحارس القضائي في بلدية جيزرا بإغلاق مركز سيتيا زين للإرشاد النسائي التابع لإدارة سياسات المرأة، وتمت مصادرة جميع المحفوظات الخاصة بالنساء داخل المركز.قام الحارس القضائي المُعيَّن في بلدية فان ادرميت كذلك بوقف العمل في إدارة شؤون المرأة، وعزل النساء العاملات هناك، وانتزعت كافة الصلاحيات من مديرية إدارة سياسات المرأة في بلدية فان إرجيش، وتم إغلاق ورشة عمل بوكا باران النسائية التابعة لها.كما ألغيت أكاديمية الإدارة المحلية، التي اضطلعت في الماضي بتنفيذ أعمال تثقيفية وتعليمية تتعلق بسياسات المرأة وقوانين النظام الداخلي. واستمراراً للنهج الذي تتبعه الدولة للقضاء على أي دور للمرأة في تلك المناطق، قام الحارس القضائي في بلدية باتمان بوقف عمل مديرية سياسات المرأة، بعد كل ما قدمته من خدمات ثقافية واجتماعية للمرأة في هذه المنطقة، وعزل مدير سياسات المرأة من وظيفته.كما قام الحارس القضائي الذي عينته الدولة على بلدية سيلفان في ديار بكر بإغلاق مركز مَيا النسائي، الذي كانت البلدية تقدم من خلاله الدعم والمشورة للنساء في هذه المنطقة، وقامت بعزل الموظفين، والاستيلاء على جميع الوثائق والملفات الخاصة بالمركز.قام الحارس القضائي في بلدية ماردين دارغجيد أيضاً بإغلاق مركز جيجَك النسائي، ولم يختلف الوضع كثيراً في بلدية نُصيبين بعد ما قام الحارس القضائي أيضاً بوقف جميع الأنشطة والأعمال الخاصة بالمرأة. كما أغلق الحارس القضائي في بلدية ماردين ديريك مركز بيلجن النسائي هناك.هذه الوقائع هي فقط ما تبادر إلى ذهني من جملة ما ارتكبته الحكومة التركية الحالية في حق المرأة في تلك المناطق. كانت هذه المراكز، التي جرى إغلاقها، تعمل على الحفاظ على حقوق المرأة هناك، من خلال تقديم الدعم القانوني والنفسي لضحايا العنف من النساء، بالإضافة إلى دورها الفاعل في تنظيم الدورات التدريبية المُؤهِلة للعمالة من النساء، والعمل على تسويق منتجاتهن، وتنمية القدرة الإنتاجية لديهن. لم يقتصر عمل الحراس القضائيين على إغلاق هذه المراكز فحسب، بل قاموا، بالإضافة إلى ذلك، بفصل النساء اللاتي كن يقودن الحافلات التابعة للبلدية، وإلغاء خدمة خطوط الدعم النفسي والاجتماعي عبر الهاتف للسيدات اللاتي يتعرضن للعنف. لقد نجحت الدولة في ثلاث سنوات فقط في القضاء على مكتسباتٍ جاهدت المرأة الكردية لسنوات عديدة من أجل الحصول عليها.وبالإضافة إلى المراكز النسائية التابعة للبلديات، قامت حكومة حزب العدالة والتنمية كذلك بإغلاق غالبية المنظمات النسائية غير الحكومية في المحافظات الكردية. ومن بين هذه المنظمات، التي جرى إغلاقها، منظمات عُرِفَت بأعمالها الجليلة لخدمة المجتمع مثل منظمة فاكاد وجَرَن وسَليس وجمعية المرأة في أديَامان وجمعية المرأة في موش.وفي حين تقوم الدولة بإغلاق هذه المنظمات على المستوى المحلي، عمدت، على المستوى المركزي، إلى إنشاء منظمات مدنية حكومية نسائية تابعة لها، لم نسمع عن الكثير منها في الاجتماعات النسائية، على الرغم من عملنا سنوات طويلة في الحركة النسائية. وتتلقى هذه المنظمات، التي تسير وفق توجهات الحكومة في الأساس، دعماً مادياً من الخارج لمنح المساواة بين الرجل والمرأة.من ناحية أخرى، صار من الصعوبة بمكان بالنسبة للمؤسسات النسائية التي أقامتها الدولة حديثًا أن تستمر في القيام بعملها في ظل الضغوط، التي تزداد وتيرتها باستمرار، إضافة إلى قلة الموارد التي تحصل عليها. ومع ذلك، فإن أكثر ما شدّ انتباهي، كامرأة في المقام الأول، هو بعض التطورات التي جرت داخل المؤسسات شبه المدنية التي يهيمن عليها الذكور، والتي لديها تقاليد وقوى تعود لسنوات طويلة.من بين هذه التطورات تأسيس جمعية نسائية داخل غرفة التجارة والصناعة بديار بكر؛ حيث تجرى الاستعدادات لتشكيل مجلس هذه الجمعية النسائية منذ مدة طويلة. وأود أن أشير هنا إلى أن هذا المجلس سيكون أول مجلس نسائي يجري تأسيسه داخل غرف التجارة والصناعة في تركيا بكاملها. وقد لخصت سيدة الأعمال، والشخصية البارزة في هذا المجلس، نيفين إيل، أهداف المركز بقولها:”نهدف من وراء إنشاء المركز إلى زيادة عدد صانعي القرار والنساء المؤهلات في مثل هذه المؤسسات، وتشجيع مشاركة النساء الأعضاء في آليات صنع القرار. من المهم بالنسبة لنا تمكين دور المرأة داخل هذه المؤسسات، انطلاقاً من فكرة المساواة بين المرأة والرجل داخل المجتمع التركي”.لا شك أن إنشاء مراكز تهتم بتطوير سياسات المرأة داخل مؤسسة ذات تقاليد وتاريخ راسخ، له تداعيات مهمة للغاية. أولاً، وقبل كل شيء، فهذا النوع من المبادرات له أهميته في تعزيز المساواة بين المرأة والرجل داخل هذه المؤسسات، كما أن لهذه المبادرات دوراً مهماً للغاية للحفاظ على وجود الحركة النسائية داخل الإطار المؤسسي.وفي رأيي الشخصي، إن تنفيذ مبادرات قوية من قبيل إنشاء جمعية نسائية في إطار غرفة التجارة والصناعة في ديار بكر سيكون نواةً لإنشاء جمعيات أخرى مُشابهة لها داخل المؤسسات الأخرى؛ فعلى الرغم من وجود لجان نسائية في مؤسسات مثل نقابات المحامين والمنظمات المهنية والغرف، فإن هذه اللجان، لأسباب مختلفة، لم يكن لها تأثير كبير.ولعلّ السبب في ذلك هو أن جميع هذه المؤسسات يهيمن عليها الذكور، الذين لا يهتمون في الغالب برأي اللجان النسائية المرتبطة بها، وهذا يعني أن دور اللجان النسائية لم يتعدّ كونه مجرد دور هامشي.وعلى الرغم من هذا فقد تصبح هذه المبادرة نواةً لتشكيل مؤسسات نسائية أكثر استقلالية في المستقبل. ومما لا شك فيه أن النساء سيكتسبن الخبرة داخل هذه المؤسسات، وبالتالي سيزددن صلابةً وقوةً، وسيحافظن، من ناحية أخرى، على المكتسبات التي حققتها المرأة.وعلى الرغم من أن المرأة في تركيا فقدت بالفعل الكثير من مكتسباتها، إلا أنه لا يزال يحدوني الأمل بمناسبة اليوم العالمي للمرأة في 8 مارس؛ لأنني أثق كثيراً بنفسي وبالنساء، وأثق في تضامنهن من أجل الحفاظ على مكتسباتهن. يحيا تضامن المرأة!أتمنى لكنّ السعادة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة! وطاب يومكن جميعاً!
يُمكن قراءة المقال باللغة التركية أيضاً: