كانت صدمتي كبيرة وأنا أقرأ كلمات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن مقتل جمال خاشقجي. [1]
فبالنسبة لي كصحفية وناشطة كردية من تركيا تدافع عن حقوق الإنسان، سبق وأن كتبت عن انتهاكات حقوق الإنسان وحقوق الأقليات وجرائم الحرب والقضية الكردية منذ عام 2013. وعندما انهارت عملية السلام بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني في يوليو 2015، اندلع الصراع مجددا في المدن الكردية. لكن هذه المرة تركز القتال في وسط تلك المدن، على خلاف المعهود في السابق حينما كانت المعارك محصورة في الجبال على مدار الثلاثين عاما الماضية. وفي أغسطس 2015، أعلنت الدولة حظر تجول في المدن الكردية في جميع أنحاء جنوب شرق تركيا. وعلى الرغم من تأثر نحو 1.5 مليون شخص بهذا القرار، لا يزال ذلك الحظر قائما حتى اليوم.
وعلى مدار فترات حظر التجول التي فرضها الجيش، كانت مدننا تتعرض للقصف بشكل يومي، ولم تسمح الدولة حتى للأسر بدفن موتاهم. وفي بعض مناطق حظر التجول، تم إطلاق النار على أشخاص يحملون أعلاما بيضاء أثناء محاولتهم الفرار من المنطقة أو دفن أقاربهم. وفي ديار بكر، ظلت الجثث ملقاة في الشوارع لعدة أشهر. كما شهدنا الكثير من جرائم الحرب وانتهاكات مروعة لحقوق الإنسان.
في غضون ذلك، أغمضت وسائل الإعلام التركية أعينها عن انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب المستمرة في المنطقة الكردية، لذلك وجدت نفسي مجبرة على الكتابة ولعب دور نشط في توعية الرأي العام بشأن حقيقة ما يحدث هناك.
وقد تعرضت بالفعل على نحو منتظم وممهنج لتهديدات ومضايقات ومحاولات ترهيب على وسائل التواصل الاجتماعي كما حظرت السلطات الأمنية بعض مقالاتي بشكل غير قانوني. وعلاوة على ذلك، تم فتح العديد من التحقيقات بحقي بسبب مقالاتي ومشاركاتي على وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي فبراير من هذا العام، صدر حكم ضدي بالسجن لمدة 10 أشهر لكتابتي مقالا عن جرائم الحرب في بلدة جزيرة ابن عمر. وعندما تم رفع حظر التجول عن البلدة في مارس من عام 2016، ذهبت إلى هناك وشهدت بنفسي العديد من جرائم الحرب التي ارتكبتها قوات الأمن. ورأيت بعيني كيف تم هدم البلدة بأسرها وتحويلها إلى كومة من الأنقاض وكيف تم إحراق المئات أحياء وهم مختبئون في أقبية منازلهم. وكم من مرة مررت بموقع لحادثة شنيعة نفذتها قوات الأمن داخل منازل المدنيين. كانت الملابس الداخلية للنساء معروضة على مرأى الجميع، وكانت هناك واقيات ذكرية مستعملة ملقاة في الأرجاء بطريقة عشوائية. والتقطت وقتها نحو 100 صورة وكتبت عن هذه المشاهد في العمود الخاص بي. وقد أثار المقال بالفعل ردود فعل عنيفة. وبعد أسبوع، تم وضع مقالاتي تحت رقابة مشددة من قبل المديرية العامة للأمن التركي. وبعدها بعامين، أصدرت المحكمة حكما ضدي بالسجن لمدة 10 أشهر بتهمة “إهانة قوات الأمن التركية”، لكنها قررت تعليق الحكم لمدة خمس سنوات.
وفي 21 يناير من هذا العام، وبعد أيام من انطلاق الهجوم التركي على منطقة عفرين السورية، تم احتجازي بسبب مشاركاتي على وسائل التواصل الاجتماعي ضد الحملة التركية. يومها، حطم رجال الشرطة باب منزلي، حتى بالرغم من سابق معرفتهم بوجود طفلين صغيرين بالداخل. وفوجئت باقتحام ما يقرب من 20 من ضباط شرطة العمليات الخاصة المدججين ببنادق الكلاشينكوف وغيرها من الأسلحة لمنزلنا. وبعد احتجازي في أحد مراكز الاعتقال لمدة ثلاثة أيام، تم إطلاق سراحي لكن مع رفع دعوى قضائية ضدي. ووجدت نفسي متهمة “بتحريض الناس على الكراهية والعداء” بسبب خمس تغريدات انتقدت فيها سياسات الحرب التي تنتهجها الحكومة التركية وطالبتها بالعمل على إرساء السلام. ويطالب المدعي العام الآن بتوقيع عقوبة السجن علي لمدة ثلاث سنوات بسبب هذه التغريدات الخمس. [2]
لكنني حتى هذه اللحظة أعتبر نفسي أحد الصحفيين المحظوظين في تركيا. فعلى الأقل، ما زلت خارج السجن ويمكنني الكتابة. لكن هذا لا ينفي حقيقة أن هناك المئات من أصدقائنا لا يزالون قابعين في غياهب السجون أو عالقين في المنفى. واليوم، يوجد أكثر من 170 صحفيا وراء القضبان في السجون التركية.
والأمثلة كثيرة على المأساة التي عاشها ولا يزال يعيشها الصحفيون الأتراك تحت حكم الأنظمة المتعاقبة في بلاد الأناضول. فهناك نديم تورفنت، الصحفي الكردي المعتقل، الذي حُكم عليه بالسجن لمدة ثماني سنوات وخمسة أشهر، رغم أن شهود الادعاء قالوا في المحكمة إنهم شهدوا ضد الصحفي تحت وطأة التعذيب. كما حكمت محكمة تركية على أحمد ألتان ونازلي إِليجاك بسبب عملهما الصحفي. وهناك موسى عنتر، الصحفي والكاتب الكردي، الذي اغتيل على يد أتباع الدولة العميقة في تركيا في عام 1992 عن عمر ناهز 72 عاما. وتم ضرب الصحفي الشاب متين جوكتبه حتى الموت على أيدي أفراد الشرطة في مركز احتجاز في عام 1996. وحتى يومنا هذا، لم يتم تقديم الجناة إلى العدالة.
وبلا شك، أنا أيضا أريد العدالة لخاشقجي، ولكن لإفساح مساحة لنشر رأي شخص يزج بالصحفيين وراء القضبان هو ببساطة أمر غير مقبول. فتركيا اليوم تظل أكبر سجن للصحفيين في العالم وهي من أخر الدول التي يمكنها التحدث بشأن حقوق الإنسان والمطالبة بالعدالة للصحفيين. وكما كتب أردوغان في مقاله: “قتل خاشقجي لا يمكن تفسيره”، أؤكد: نعم، قتل خاشقجي لا يمكن تفسيره وغير مقبول، شأنه شأن قتل الصحفيين وحبسهم في تركيا. وبصفتنا صحفيين في تركيا، نتوقع بعض التقدير والدعم من صحيفة واشنطن بوست، بالنظر إلى أن العديد من أصدقائنا وزملائنا يقبعون خلف القضبان أو مجبرون على العيش في المنفى. عار عليكم!
أكتب هذه الكلمات مع العلم أنه يمكن أن تكون هناك عواقب لها. وأعلم أنني بصفتي صحفية وناشطة كردية في مجال حقوق الإنسان، فأنا لست بنفس أهمية خاشقجي. لكنني آمل أن تسألوا يا صحيفة واشنطن بوست عن مصيري وعن مصير صحفيين آخرين في تركيا وكردستان ممن يقال عنهم إنهم إرهابيون بسبب وقوفهم إلى جانب الحقيقة ويُقتلون ويُسجنون ويُجبرون على ترك بلادهم جراء ذلك.
_______________________
[1] مقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن مقتل جمال خاشقجي في الواشنطن بوست: