كان ابني الأصغر يلعب بقطع الليجو بينما أخذ الأكبر سنا يلعب على هاتفه. كان زوجي معنا أيضا وبرفقته صديق. ليلة الأحد التقليدية. سمعت فجأة دويا مرعبا. في البداية ظننت أن زلزالا ضرب المنطقة لكني بعد ذلك أدركت أن الصوت مصدره باب المنزل الأمامي. ولأن ذكريات الحرب لا تزال عالقة بالأذهان خطر ببالي أن منزلنا يتعرض لهجوم ويواجه قصفا وإطلاق نار.
صرخت في طفليّ أن يبقيا حيث هما وألا يقتربا. شيئا فشيئا أدركنا أن الرجال الموجودين في الجانب الآخر من المنزل هم عناصر من الشرطة كانوا يحاولون اقتحام باب منزلنا. في الواقع كان الباب قويا جدا لذا بدأ الحائط يتشقق من حوله. وحين عجزوا عن اختراق
المنزل من الباب مروا من الحديقة واقتحموا المنزل من المطبخ.
كان عدد ضباط فرقة العمليات الخاصة التابعة للشرطة يبلغ عشرين عنصرا تقريبا مسلحين ببنادق كلاشنكوف وأدوات عسكرية أخرى. كل هؤلاء اقتحموا منزلنا. صوّب الجميع أسلحتهم تجاهي وسأل قائد المجموعة إن كنت أنا نورجان بايسال. وبعد أن أجبته بنعم قال إن بحوزتهم إذنا بتفتيش منزلي. سألته إن كان أيضا يملك إذنا بتحطيم الباب. رد مؤكدا أن الادعاء منحهم إذنا بتحطيم بابي. قلت له إن في هذا مخالفة للقانون وطلبت معرفة اسم ممثل الادعاء الذي سمح له بذلك. لكني لم أتلق أي رد.
دون إطالة في الشرح.. كانت هذه الطريقة التي تم بها اعتقالي. اقتحموا منزلي وهم يعرفون جيدا أن به طفلان صغيران.
وصلنا لليوم الثاني من الاعتقال وحينها بدأت أدرك أن السبب وراء ذلك كان خمس تغريدات لي على موقع تويتر أعارض فيها “الحرب في عفرين”.
هذا هو نص التغريدات الخمسة:
1- ما يخرج من الدبابات ليس أغصان زيتون بل قنابل. وحين تخرج من الدبابات قنابل يموت الناس.. يموت أحمد ويموت حسن ويموت رودي وتموت موزجين.. إنها أرواح تزهق..
2- أن تطلق اسم “غصن الزيتون” على عملية حربية.. على عملية تسفر عن سقوط قتلى.. فأنت حقا في تركيا.
3- اليساريون واليمينيون والقوميون والإسلاميون جميعا متحدون في كراهية الشعب الكردي.
4- من تظنون أنكم ستنتصرون عليه هنا؟ أي دين وأي عقيدة يؤمن أتباعها بالحرب والموت؟ (كتبت هذه التغريدة بعد أن قامت السلطة الدينية التركية بالدعاء راجية النصر للجيش في إحدى الخطب).
5- (تغريدة لصحفي آخر أعدت نشرها تحمل صورة لطفل ميت في عفرين) يقول نصها “يا من تريدون الحرب، انظروا لهذه الصورة.. صورة طفل ميت”.
بسبب هذه التغريدات وُجهت لي اتهامات بتبني دعاية إرهابية وبالتحريض على ارتكاب أعمال عدائية. كما ترون فإن هذه التغريدات لا تحمل أي دعاية إرهابية ولم يسبق لي ولن أقوم بأي تحريض على أعمال عدائية أو على العنف. هذه التغريدات تظهر معارضتي للحرب وللموت.. نعم لقد انتقدت سياسات الحكومة التركية.
لقد نشأت في زمن الحرب في ديابكر. بكل أمانة لا أعرف كيف تبدو الحياة العادية. لقد قضيت السنوات العشرين الماضية من عمري وأنا أناضل من أجل السلام والديمقراطية والعدالة والحرية. لقد أنشأت مؤسسات ومنظمات مجتمع مدني هدفها الوصول لحل سلمي للقضية الكردية. وحتى في أكثر الأيام سوادا من عام 2015 خلال عمليات القصف في قلب ضاحية سور في دياربكر كنت أعمل من أجل فتح حوار بين الحكومة والحركة الكردية.
لقد نظمت لقاءات في مكتبي وجمعت فيها أعضاء من الحزب الحاكم ومن الحركة الكردية ومن المفكرين، معا، في محاولة لوقف القتل وسفك الدماء في المنطقة. وبصفتي ناشطة من أجل السلام وحقوق الإنسان قضيت عمري في التعامل مع الهجرة القسرية ومع مجموعات حراس القرى (التي أنشأت للتصدي لحزب العمال الكردستاني) ومع ضحايا حوادث المناجم ومع ضحايا الفقر ونساء تعرضن للاختطاف على أيدي عناصر تنظيم الدولة الإسلامية ومع نزع السلاح.. كنت أتعامل مع جثث تركت في الشوارع وأتولى إعداد تقارير عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
بعد ثلاثة أيام قضيتها في إدارة مكافحة الإرهاب أُطلق سراحي بكفالة لكن صدر أيضا قرار بمنعي من السفر. خلال الأسبوع الماضي تم اعتقال 311 شخصا آخرين لمجرد أنهم قالوا “لا” للحرب في عفرين. إنها دولة تسعى لإسكات كل صوت معارض للحرب. يريدون من جميع قطاعات المجتمع وأطيافه، بما في ذلك وسائل الإعلام، أن يدعموا حربهم.
رسالتي لكل الكتاب والنشطاء والمفكرين والصحفيين؛ نحن لا نتحمل أي مسؤولية تجاه السلطة. إنما مسؤوليتنا تجاه الناس، تجاه الإنسانية والتاريخ والحياة والشباب التركي والشباب الكردي الذين يموتون الآن.. الآن. رسالتهم أيضا لأمهاتهم.
في الأسبوع الماضي هدد الرئيس رجب طيب أردوغان الشعب قائلا إن من يشاركون في أي احتجاجات ضد الحرب سيدفعون ثمنا باهظا.
نعم سيدي الرئيس.. نحن ندفع ثمنا باهظا. لكن صدقوني.. هذا ثمن قضية تستحق. ربما نصل في نهاية المطاف للعيش في حياة وفي سلام. هذا البلد يستحق الحياة.. ويستحق السلام.