التصنيفات
مقالات

تونا بكلفيتش.. إنشاء كيان فيدرالي لاستعادة السلم في تركيا

أنهى السياسي والناشط التركي تونا بكلفيتش، قبل أيام، مسيرة الأخوة لألف كيلومتر من العاصمة التركية أنقرة إلى مسقط رأسه في ديار بكر، المحافظة الواقعة في الجنوب الشرقي من البلاد حيث أغلبية السكان من الأكراد.

انطلق بكلفيتش في مسيرة الأخوة في 16 أبريل، مع الذكرى الأولى للاستفتاء على الدستور الذي أفرز سلطات رئاسية كبيرة.

وبغرض تعزيز هذه السلطات، دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الشهر الماضي لانتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة ستجرى في 24 يونيو، أي قبل نحو عام ونصف العام من الموعد المقرر سابقا للانتخابات.

كان الهدف من مسيرة الأخوة هو إظهار التضامن بين الأتراك والأكراد في وقت يدور خلاله الصراع المسلح بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني.

وانتهت المسيرة عند سفح المنارة ذات الأعمدة الأربعة في حي سور بديار بكر، والتي شهدت دمارا واسع النطاق بسبب المعارك بين الحكومة التركية والمسلحين الأكراد.

في مقابلة سابقة، تحدث بكلفيتش مع موقع أحوال تركية عن فشل مسعاه للترشح كمستقل في الانتخابات الرئاسية، وعن أهمية مسيرة الأخوة، وعن اقتراحة لإقامة دولة فدرالية.

تحدثت مع بكلفيتش مرتين قبل انطلاقه في مسيرة الأخوة، ولقد كان حماسه ملهما. قال لي: “بينما أنطلق في المسيرة، يمكنك التزام الصمت إن شئت. يمكنك التهكم علي إن شئت. لكني أعرف أني لن أقول لأبنائي إني بسبب خوفي جلست أنتظر وقوع الكارثة.”


تونا بكلفيتش.
التقيت تونا بكلفيتش بعد 25 يوما من انطلاقه في عربة متوقفة عند مدخل ديار بكر. أجرينا المقابلة ونحن نتناول طعام الإفطار.

توقف كثير من الناس معنا أثناء المقابلة، ورأيت ما تعنيه المسيرة بالنسبة لهم. بدا وكأن بكلفيتش قد كسب بالفعل قلوب البعض.

حتى فترة قريبة، كنت مرشحا مستقلا في الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في 24 يونيو، لكن استقر الأمر على ثلاثة مرشحين لخوض السباق. ما تعليقك على ذلك؟
لقد خاب أملي في المعارضة حين يتعلق الأمر بالترشح للانتخابات الرئاسية. بدأنا الإعداد لـ(الحملة) مبكرا، في سبتمبر من العام الماضي. لم يكن هناك من استعد مثلما استعددنا. بل إننا أنشأنا قاعدة بيانات شاملة وأجرينا بعض الدراسات.

كانت قائمتنا تضم 114 ألف شخص. لكن أردوغان لم يكن يفكر سوى في شيء واحد، ألا وهو دخول الانتخابات أمام أقل عدد ممكن من المرشحين، (غير أنه) لم يستطع حتى تحقيق ذلك.

برز ثلاثة مرشحين وأصابوا حساباته في مقتل. كان بوسعنا أن نصبح من المرشحين المستقلين لكن هذا لم يحدث.

لماذا قررت الانطلاق في مسيرة من أنقرة إلى ديار بكر؟
كان هذا حلمي على مدى 20 عاما. لطالما رغبت في القيام بشيء ما في المنطقة (الكردية)، لكني أشعر بالتوتر من الطريقة التي قد يستقبل بها المجتمع الأمر، وإلى أي مدى يمكن لكلماتي أن تسهم في قيادة المستقبل.

لكن عند نقطة محددة، كان ضروريا علي أن أتغلب على هذه المخاوف وأتصرف بشجاعة. كانت هناك التماسات واجتماعات ولجان وغيرها، ولم يكن هناك ما لم نقله عن القضية الكردية.

قال الجميع كل شيء، لكن هذا لم يسفر عن شيء. ربما يتم الاحتفاظ بذلك للتاريخ ضمن المقتنيات، لكن هذا في النهاية لن يقلل من معاناة الشعب الكردي، ولن يوقف حملة الملاحقة التي تنفذها الدولة، ولن تهون مخاوف الناس هناك. هذا ما دفعني للتفكير في ضرورة القيام بشيء ما مختلف.

ما أملكه هو القوة الجسمانية، والطاقة وقدمي هاتين. شعرت بأنها ستكون فكرة جيدة أن أخرج وأقوم بتلك المسيرة. فكرت في أن المسيرة ستجعلني في حالة أفضل وربما يسير مزيد من الناس خلفي وألتقيهم وأتحدث معهم على الطريق وأزور القرى والمنازل.

بالنظر للقتال المستمر بين حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية، اقترحت أن تتبنى الدولة التركية فكرة إقامة كيان فدرالي. لكن هذا أمر مثير للجدل في المجتمع التركي لأنه يذكي مخاوف من تقسيم البلاد إلى أجزاء عديدة. كيف يمكن لك تفسير هذا الاقتراح؟
كلا المجتمعين واللغتين (التركية والكردية) عانيا كثيرا، ولم يعد هناك قدر كبير من التعاطف. لا يرغب الناس في فهم بعضهم البعض، وأصبح الكِبر سيد الموقف. في هذا الوضع، تكون مساهمة الحكومة، التي لا تتعامل بجدية مع مواطنيها ولا تميز أولوياتها، أمرا رائعا.

لقد استسلمت السياسة تماما للدولة. أرى كيان الدولة وقد أصبح أساسا لهذه المشاكل. هناك مشاكل خطيرة تتعلق بهيكل الدولة وكيانها. الأمر كالسرطان، أصبح من الصعب حل المشكلة.

من الضرروي للغاية مناقشة مختلف الاقتراحات. الخطوة الأولى بالنسبة لهم هي إقامة كيان فدرالي. لا يمكن لأي دواء آخر علاج هذا البلد.

بالرغم من صعوبة الأمر، يمكننا إعادة إطلاق الفكرة بالحديث عنها. تجب مناقشتها بشكل مكثف. الحديث عن الكيان الفدرالي في المجتمع الكردي يسبب الكثير من التوتر في المجتمع التركي.

لقد تعرّض الناس في القرى والمدن بمنطقة الأناضول لضرر كبير من المراسيم الرئاسية، التي أدت إلى اعتقالات جماعية وإساءات أخرى، والتي صدرت منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016. هل تعتقد أن الناس في منطقة الأناضول مستعدون لمناقشة فكرة كيان فدرالي في تركيا؟
أشعر أن منطقة الأناضول مستعدة لذلك. تركيا مستعدة لهذا النقاش الآن. الناس راغبون بحق في السلام فهم غير سعداء على الإطلاق بعد أن أصابهم كل هذا الضرر.

وخلال هذا الوقت، سيفهم الناس في الأناضول الأتراك بشكل أفضل. لقد دفعت المآسي والطغيان الذي تعرض له ضحايا المراسيم الرئاسية القوميين وشريحة المحافظين لتفهم معاناة الأكراد إلى حد ما. يقولون إنهم مروا بنفس الأمور منذ بدء حالة الطوارئ قبل سنتين أو ثلاث.

وبهذا الأمر، أعتقد أن الأتراك وصلوا لمرحلة يمكنهم عندها مناقشة فكرة إقامة كيان فدرالي. حين يتعلق الأمر بقضية اللغة، فإننا نحتاج لقدر أكبر من التعاطف من الأجيال الأصغر سنا.

أعتقد أنه سيكون من الأفضل أن نحظى بسياسيين يملكون رؤية لمستقبل تركيا عوضا عن سياسيين ينتظرون موعد التقاعد.

هل تؤمن حقا بأن السلام والديمقراطية والمساواة والأخوة جزء من مستقبل تركيا؟
إذا طرأ تحديث وتطور وتجديد لبنيان الدولة، فسيكون هناك سلام حقيقي وتعايش حقيقي في هذا البلد.

لكني أعتقد أن الهيكل الإداري هو ما يعيق السلام. ينطبق هذا الأمر ليس فقط على الأكراد، بل على المجتمع التركي أيضا.

إذا كان لنا أن نجري استفتاء على تقرير مستقبل الشعب ومستقبل تركيا، فأنا واثق أن مزيدا من الناس في منطقة تريس (في شمال غرب تركيا) سيصوتون لصالح كيان فدرالي أكثر ممن سيصوتون في هذا الاتجاه في المنطقة الكردية.

هذا يعني أنه منذ قيام الجمهورية، حدث انهيار في هذه القضية، وهذا الانهيار يجب حله بطريقة تركز على الأرض وعلى الناس.

يمكن قراءة الحوار باللغة الإنكليزية أيضاً: