قبل بضعة أيام، ألقى رئيس حزب الحركة القومية التركي المنتمي لليمين المتطرف، دولت بهجلي، بيانا قال فيه:
“يجب أن يعرف الجميع أنه إذا كانت هناك جهود تبذل لبدء عملية سلام جديدة في تركيا، فإن الأمة التركية لن تتجرع أبداً هذا السم الخبيث.”
عملية السلام التي أشار إليها بهجلي هي المفاوضات التي جرت بين حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وزعيم حزب العمال الكردستاني السجين عبد الله أوجلان، وهي عملية كان كثيرون يأملون أن تمثل أفضل فرصة لإنهاء الصراع العرقي المستمر منذ ثلاثين عاما.
كان إعلان رسمي عن بدء مفاوضات قد صدر عام 2012 لكنها توقفت عام 2015.
وقال بهجلي إن عملية سلام جديدة، لا تتسبب في مقتل أي شخص، ستكون بمثابة انتحار للأمة التركية.
وأعلن بهجلي تأييده للصراع المستمر، والعنف والدمار. ولعله يظن نفسه يتصرف من وحي مشاعر وطنية؛ لعله يظن أن الحرب والعنف والدمار فيه حماية للأمة التركية.
هل ما سيوفر الحماية للأمة التركية هو استمرار سجن نواب برلمانيين ورؤساء بلديات من الأكراد، وتدمير مدن ومقابر كردية، وترك جثث القتل في الشوارع، وحظر لغة الأكراد وثقافتهم، وتعيين رؤساء بلديات بدلا من المنتخبين؟
هل ستتوفر للأمة التركية الحماية حين يطال مقص الرقيب شعار (النساء والحياة والحرية) من محاضر جلسة البرلمان؟
هل ستتوفر للأمة التركية الحماية إذا ساد مفهوم ألا يسمح للكردي برؤية أمه، ليس فقط مفهوم يسود داخل حدود تركيا، بل وخارجها أيضا.
لقد نشأت هذه المقولة من دعابة مريرة على شهرتها. يسألون كرديا يشرف على الموت عن أمنيته الأخيرة قبل أن يفارق الحياة، فيقول “أريد أن أرى أمي.” بعدها يسألون تركيا بجواره يشرف على الموت عن أمنيته الأخيرة، فيرد قائلا “أتمنى ألا يرى هذا الكردي أمه.”
قالها أردوغان وهو يتحدث في مراسم تخريج دفعة من القوات الخاصة التركية قبل أيام قليلة.
قال “بمشيئة الله، وقريبا جدا، وبجهودكم يا عناصر قواتنا الخاصة ممن نحتفل اليوم بتخرجهم، سنقتلع الإرهاب من جذوره حتى الضفة الشرقية لنهر الفرات.”
هل ستتوفر الحماية للأمة التركية بالدمار؟ هل ستحظى بالأمن بقتل أكراد وأتراك في مقتبل العمر؟ الآن، تجهز البلديات مقابر لدفن من يقتل من الجنود. فهل ستتوفر للأمة التركية الحماية حين تملأ الجثث هذه المقابر؟
واصل أردوغان حديثه في تلك المراسم قائلا “أرى في كل شاب مشروع مقاتل محتمل في القوات الخاصة.”
فهل ستتوفر للأمة التركية الحماية حين ترى في الشباب كافة مقاتلين محتملين في القوات الخاصة عوضا عن أن تراهم في المستقبل مهندسين أو أطباء أو محامين أو فنانين أو أساتذة جامعيين أو علماء أو مهندسين معماريين؟
إن كان هذا حديث يصدر عن الرئيس تركيا، فهل سيمتنع وزير داخليته سليمان صويلو عن تنفيذ أمر كهذا؟ كلا لن يمتنع.
يقول الوزير صويلو “السيطرة لنا من جرابلس إلى عفرين، ومن عفرين إلى أعزاز، ومن كاتو إلى جابار وكودي وبولومور وكوتوديريسي وتندوريك وأجري.”
نعم هذا صحيح، له السيطرة، فما هي القرارات التي ستتخذها؟
لسنا بحاجة لجهد كبير لمعرفة الآثار المحتملة لقراراتك أيها الوزير. قراراتك نتيجتها الموت والكراهية والاستقطاب بين جميع صنوف المجتمع.
في كثير من المدن والبلدات التركية، من الغرب إلى الشرق، من المحتمل أن نرى تبعات لهذا الحديث. في الأودية الخضراء الخصبة في ريزه وأوردو، يمكنك أن ترى بيوتا يرتفع فوقها العلم التركي.
حين تقترب من هذه البيوت الخشبية الفقيرة، سترى آباء طاعنين في السن ينعون أطفالهم الذين قتلوا في هذه الصراعات.
سترى المشهد ذاته في نيجدي وكرمان وأكساراي. ستراه في تنقلك من قرية إلى قرية.
إن ذهبت إلى الأجزاء الشرقية من تركيا، ستسمع نفس الرثاء صادرا عن منازل يسكنها أكراد، وسترى التحدي والغضب.
يخرج سُم من فمك أيها الوزير، حين تقول إن لك السيطرة كاملة. سُمُك يتغلغل في أوساط المجتمع بأسره.
لقد بصق الجميع على الآخرين دماً. الكل الآن يركز على السلبيات في شخصيات الآخرين. هناك إذلال وهجوم على الآخرين. تماما مثلما تفعل الحكومة، يقسم الناس أيضا أنهم لن يمنوا على غيرهم بالسلام.
لا يهم إن كنت تركيا أو كرديا. فلقد عشنا لسنوات طويلة في قلب هذا السم الذي ينخر في جسد المجتمع.
لكن هناك قلة من الناس تعاني لتفادي الإصابة بالسم.
نعم، يجب أن تبقى جميع الأزمات بلا حلول، يجب ألا يحل السلام أبدا، يجب أن يمون الصغار في ريعان الشباب، يجب أن يسود الخلاف بين الجميع، يجب ألا يكن أحد لغيره أي مشاعر طيبة، يجب أن تقضي الأمهات أيامهن في البكاء والنحيب. كل هذا لأننا نحمي الأمة التركية!
لكن من الواضح تماما أن نهجا كهذا لا يمكن أن يوفر الحماية للأمة التركية. حين شرعت في إنهاء هذا المقال، كانت الأخبار العاجلة تتدفق من وسائل الإعلام.
كان هناك انفجار في مستودع للذخيرة في قاعدة عسكرية بمدينة هكاري بجنوب شرق تركيا حيث قتل أربعة جنود وفُقد سبعة وأصيب 25 آخرون.
كلهم من الشباب، كل هؤلاء الموتى والمفقودين والمصابين من الشباب.
دعوني أختم بهذا التعليق للكاتب الصحفي أونيت كيفانتش على وسائل التواصل الاجتماعي ردا على ما قاله بهجلي.
كتب كيفانتش يقول “دعونا نمت ونقتل، دعونا لا نرى السلام أبدا، دعونا نودع الجميع في أقبية السجون، دعونا نلاحق الجميع بالمضايقات، دعونا نسبح في السم، دعونا نتحول إلى سم، لكن دون أن نشربه.”