التصنيفات
ahvalnews مقالات

تركيا تنسى الأكراد بينما تتعامل مع كورونا

في ليلة 10 أبريل، بعد أن أعلنت وزارة الداخلية التركية عن فرض حظر كامل لمدة 48 ساعة في 31 محافظة، تدافع سكان المدن الرئيسية في البلاد إلى الأسواق والمخابز لتخزين الضروريات.

ولكن في مدينة ديار بكر الجنوبية الشرقية، مسقط رأسي، كان عدد قليل من الناس في عجلة من أمرهم لشراء مشتريات اللحظة الأخيرة. ويرجع هذا في الغالب إلى حقيقة أن الأكراد في تركيا اعتادوا على حظر التجول، وقد اعتدنا، إلى حد ما، على العيش في هذه الظروف.

وكأكراد، أمضينا تلك الليلة في المنزل نشاهد التلفاز بينما هرع الناس في غرب البلاد إلى المتاجر.

وفي صباح اليوم التالي، أفادت قنوات التلفزيون والصحف التركية عن المحافظات المتضررة من حظر التجول، مسلطة الضوء على كيفية عدم تطبيق هذا الحظر الواسع الانتشار منذ الانقلاب العسكري في 12 سبتمبر 1980.

من الواضح أنه ليست الدولة التركية فقط، ولكن وسائل الإعلام التركية هي التي لا تعتبرنا، نحن الأكراد، مواطنين وجزء من هذه الأرض.

خضعت مدينتي ديار بكر للحظر المستمر المتمركز في المنطقة التاريخية في صور منذ 2 ديسمبر 2015. وقد تم تطبيق حظر التجول هذا، والذي كان ساريًا لمدة أربعة أعوام ونصف في ستة أحياء كبيرة في صور كانت ذات يوم موطناً لحوالي 35 ألف شخص، وهي أطول فترة حظر في العالم.

وبينما لا يسكن أحد في الوقت الحالي هذه الأحياء الستة، التي دمرت خلال الاشتباكات بين قوات الأمن التركية ومقاتلي حزب العمال الكردستاني بين 2015-2016، إلا أن حظر التجول مستمر.

تم هدم جميع الأحياء التاريخية في صور. وقد تم تطويق محيط الأحياء بجدران عالية. البيوت الحديثة التي تبنيها الحكومة هناك تتعارض مع الثقافة الكردية. سكان هذه الأحياء الستة لم يتمكنوا من السير في شوارعهم ودخول منازلهم القديمة لمدة أربع سنوات ونصف بعد أن صودرت منهم بالقوة.

ووفقًا لتقرير صادر عن مؤسسة حقوق الإنسان التركية في عام 2018، تم تنفيذ ما مجموعه 299 قرا حظر تجول في 11 محافظة و49 بلدة على الأقل بين 16 أغسطس 2015 و1 مارس 2018. تم تنفيذ ما مجموعه 169 قرار حظر في ديار بكر، و48 في ماردين، و23 في هكاري، وست في باتمان، واثنان في إيلازيتش، وأربعة في سيرت، وهي جميع المحافظات ذات الأغلبية الكردية.

وبينما كنت أكتب في هذا المقال، تواصل مقاتلات “إف 16” التحليق فوق سماء المنطقة. تستمر الحرب فيما تقصف الطائرات الحربية أهدافها في الجبال ثم تعود. وحتى التهديد بالفيروس المميت كورونا لا يوقف حرب الدولة التركية على الأكراد.

لن يشملنا العقد الاجتماعي لهذه الدولة أبدًا. يمكن أن نقتل بالرصاص بسهولة من قبل قوات الأمن على الحدود أو تحت نيران من طائرة ذاتية القيادة. تمامًا مثل الصبي البالغ من العمر 14 عامًا، فيدات إيكينسي، الذي قتل على يد حرس الحدود في أغسطس الماضي في بلدة ديريسيك في محافظة هكاري على الحدود العراقية، أو مثل القرويين الأكراد الأربعة الذين قتلوا بطائرة ذاتية القيادة في قرية أوغول بالمحافظة نفسها أثناء قيامهم بالشواء في منطقة نزهة قبل ثلاث سنوات.

وقال وزير الداخلية في ذلك الوقت في البداية أنه كان من الصعب التمييز بين الإرهابيين والمواطنين، وأعلن في النهاية أن القرويين الأربعة إرهابيون. أما بالنسبة لـ فيدات، فقد تم توصيف بـ “المهرب”، ولم تتساءل وسائل الإعلام التركية أبدًا عن سبب إجباره على الانخراط في هذا النشاط، إذا كان بالفعل مهربًاً.

وبالنسبة للبعض، قتل فيدات على الحدود. ولكن بالنسبة للأكراد، فقد قتل في منزل جيرانه. كان فيدات مهربًا لأن بلده خربت ودُمّرت بفعل الحرب، وبسبب بناء محطة طاقة حرارية وحظر التجول. لم يكن لدى فيدات دخل آخر واختار التوجه إلى “الجيران” لاستعارة كيلوغرامين من الشاي وعدد قليل من علب السجائر.

لم تطرح وسائل الإعلام التركية التي وصفت فيدات بأنه مهرب الأسئلة التالية:

لماذا يضطر طفل في الرابعة عشرة من العمر إلى اللجوء للتهريب عبر الحدود؟ هل رفض فيدات جميع الفرص المتاحة أمامه لمتابعة هذا العمل الذي كلفه حياته بدلاً من ذلك؟ أم كانت هذه الفرصة الوحيدة التي أتيحت له؟

أم أن فيدات كان يقوم ببساطة بتوفير المال عند القيام بهذه المهمة الخطرة حتى يتمكن في نهاية المطاف من الذهاب إلى المدرسة، تمامًا مثل المراهقين الذين قُتلوا في الغارة الجوية روبوسكي بالقرب من الحدود التركية العراقية في عام 2011؟ ماذا حدث لأهل مصادر الدخل في المنطقة في المقام الأول؟ لماذا تمنع الدولة تربية الماشية، التي كانت تقريبًا التجارة الوحيدة التي شارك فيها السكان المحليون؟

بالطبع، من الأسهل استخدام مصطلح “المهرب” بدلاً من طرح هذه الأسئلة. كما أن عدم طرح هذه الأسئلة يساعد أكثر على الإعراض عن مواجهة الدولة.

غضت وسائل الإعلام التركية وأحزاب المعارضة وبعض شرائح المجتمع التي تنتقد الحكومة، حتى اليوم، الطرف عن سياسة الدولة تجاه الأكراد، بل ووافقت عليها.  واليوم، مرة أخرى، يتم تجاهل الأكراد فيما يلوح شبح جائحة كورونا.

نحن لا نعرف ما تفعله المدن ذات الغالبية الكردية مثل سيزر، وشيرناق، وباتمان، وسيرت خلال هذه الأيام الصعبة. لا نعرف عدد الأطباء الذين لديهم، أو إذا كان بإمكانهم الحصول على مجموعات اختبار فيروس كورونا، أو إذا كانت مرافقهم الطبية تحتوي على عدد كافٍ من الأسرة.

ضغوط الحكومة على المنطقة هائلة لدرجة أن الأطباء الذين أتصل بهم في سيزر وشيرناق، حيث يوجد بالصدفة عدد قليل من الدبابات العسكرية لكل حي، يتجنبون إعطاء أي نوع من التصريحات. وأنا أفهمهم. لأنهم عندما يغادرون ذلك المستشفى، سيواجهون الدبابات والأسلحة.

لا أحد يسأل لماذا يواصل الأكراد البقاء في الشوارع على الرغم من تهديد الوباء وما هي الظروف التي تجبرهم على ذلك. لماذا لا تتخذ الاحتياطات اللازمة للحماية من الفيروس القاتل في المناطق الكردية؟ الأكراد مثلي الذين يشككون في هذه الاجراءات ويكتبون عنها، إذا كنا محظوظين، يفلتون من الاعتقال. أما أولئك الأقل حظًا فهم إما خلف القضبان أو مدفونين في القبور.

نحن الأكراد لا نملك الوسائل لإسماع أصواتنا، حتى خلال جائحة مميتة مثل التي يواجهها العالم حاليًا. وعلى هذا النحو، وأسوةً بتركيا، يفشل العالم في الاستماع إلينا. العالم ينسانا لأنه يتجاهل أولئك الذين تم قمع أصواتهم.

أثبت فيروس كورونا مرة أخرى أننا، كبشر، لسنا جميعًا في نفس القارب.