التصنيفات
ahvalnews مقالات

بن علي يلدريم.. رجل الوعود السخية بلا تنفيذ  | أحوال تركية

أكتب هذا المقال من باب التذكير لأهالي إسطنبول ببعض الأمور من واقع الحياة وهم مُقبلون على اختيار رئيس جديد لبلديتها.

في الوقت الذي تركّز المعارضة على ضرورة إعلان مرشّح حزب العدالة والتنمية الحاكم بن علي يلدريم الاستقالة من منصب رئيس البرلمان، كما يتطلبه الدستور بشكل صريح. 

 أقولها صراحةً: لا أستطيع أن أحتجّ حتى على رفض يلدريم الاستقالة من منصبه لعدم جدواه، في ظلّ وجود عشرات البرلمانيين المنتخبين من قبل الشعب في السجون، ونظام الانتخابات الحالي البعيد عن المساواة والمنافسة العادلة، وعدم قدرتنا على التنبؤ بالمواقف التي سيتخذها الحزب الحاكم في أعقاب الإعلان عن نتائج الانتخابات سلبًا أو إيجابًا.  

لذلك أترك هذه القضية جانبًا لأعيد لأذهان أهالي إسطنبول مجموعة من الأمور: 
كما تعلمون، أن السلطات بادرت “بعد حظر التجوّل” في ديار بكر إلى تدمير بلدة “سور” التابعة لها وقلعتها التاريخية البالغة عمرها 7000 عام، بحجة مكافحة الإرهاب. وعبارة “بعد حظر التجول” لها دلالة خاصة، إذ تكشف صور الأقمار الصناعية أن أضرارًا طفيفة لحقت بالمنطقة التاريخية في ديار بكر شرق تركيا ذات الأغلبية الكردية، أثناء الاشتباكات التي جرت بين القوات الأمنية والعسكرية وعناصر حزب العمال الكردستاني، وأنه كان بالإمكان ترميمها بكل سهولة، الأمر الذي يدل على أن الدولة دمرت بلدة “سور” مع أسوارها التاريخية عمدًا. 

على كل حال لنعدْ إلى موضوعنا. بعد تلك الاشتباكات، أجرى كثير من المسؤولين الحكوميين زيارة إلى مدينتنا التي أنتمي إليها أيضًا، علمًا أن هذا النوع من الزيارات الحكومية لا تزال مستمرة إلى اليوم. فمنهم من قال إنهم سيبنون “سور” من جديد، وستكون مثل مدينة طُلَيْطِلَة (Toledo) الإسبانية، ومنهم من قال إنهم سيعيدون كتابة التاريخ في البلدة، لكنهم استمروا في تدمير التاريخ والسور.

وكان رئيس الوزراء السابق ومرشح حزب العدالة والتنمية الحالي لرئاسة بلدية إسطنبول بن علي يلدريم من بين تلك الشخصيات الحكومية التي تعهدت بتنفيذ تلك الوعود السخية! لذا تعالوْا لننتذكر ما وعده يلدريم وما حققه في أرض الواقع حتى نكون على علم من أمرنا. 

لقد أجرى يلدريم زيارة لأول مرة إلى ديار بكر برفقة أردوغان في مايو 2016، لكنه لم يستطع أن يقدم كثيرًا من الوعود في ظل وجود أردوغان بطبيعة الحال.

في إشارة منه إلى ترميم بلدة “سور” وأسوارها وقلعتها التاريخية، اكتفى يلدريم بقوله في زيارته الأولى: “أمامنا أيام جميلة. سيكون الغد أفضل من اليوم. سيكون مستقبلنا أكثر إشراقًا من اليوم” إلا أنه أثناء خطابه نسي أنه “رئيس الوزراء”، وخاطب الرئيس أردوغان أكثر من مرة بـ”سيادة رئيس الوزرء”.    

جاءت الزيارة الثانية ليلدريم إلى بلدة “سور” في سبتمبر 2016، بعد نحو 5 أو 6 أشهر من انتهاء الاشتباكات، وذلك من أجل الإعلان عن “حزمة دعم الاقتصاد والاستثمار بهدف تطوير 22 ولاية من الولايات الشرقية والجنوبية الشرقية”. وخلاصة ما قاله في هذه الزيارة كما يلي: 
“سنضخّ استثمارات بقيمة 10 مليارات دولار لسبعة مراكز تضررت من الإرهاب، ونقدّر أن تبلغ قيمة استثماراتنا في بلدة سور فقط 1.9 مليار دولار، وسنعوّض ضحايا الاشتباكات عن الأضرار اللاحقة بمنازلهم ومحلاتهم في بلدة سور بحلول نهاية عام 2017. كما سنبدأ بعد شهر بناءَ 2500 منزل في بلدة جزرة (الجزيرة)، و 1500 منزل ببلدة “يوكسيكوفا” التابعة لمحافظة حكارى في غضون شهرين. وكذلك سنيعد بناء كل المنازل في سور دون الإضرار بطابعها المعماري، بما فيه الأراضي والأرصفة. بالإضافة إلى أننا مصمّمون على إنشاء متحف سيكون شهيرًا على مستوى العالم. من جهة أخرى، سنبني 67 ألف مجمع سكني في 23 ولاياة بالمناطق الشرقية والشرقية الجنوبية، و15 مستشفى بـ640 سريرًا، و51 مخفرًا جديدًا. وقد خصّصنا لهذه الاستثمارات ميزانية قدرها 690 مليون. هذه الاستثمارات ستجعل 23 ولاية مراكزَ جذب للسياح والاستثمارات الأجنبية. فضلاً عن أن هناك كثيرًا من التسهيلات للمستثمرين، حيث سنقدم الأرض التي سيستثمرون فيها، والمصانع التي يحتاجونه مجانًا. فهم لن ينفقوا أموالا في الاستثمارات الثابتة. سنؤسِّس كل عام 10 مصانع في 8 ولايات من بين الولايات المذكورة. وهذه تقابل 80 مصنعًا في العام الواحد، بالإضافة إلى توفير عمل لما بين 200 و800 شخص.” 

وكانت الزيارة التالية ليلدريم في 16 يونيو 2017، حيث زار ديار بكر من أجل افتتاح “مشروع إعادة تأهيل شوارع غازي وملك أحمد”. 

فما هذا المشروع يا ترى؟ هو مشروع استبدال الأحجار البازلتية الجميلة العائدة إلى ما قبل قرون عديدة من الشوارع الرئيسية في بلدة سور بتلك الأحجار المصنوعة، وتوحيد المظاهر الخارجية للمحلات التجارية الواقعة على تلك الشوارع عن طريق استخدام الخشب وحجر البازلت الرقيق المصنوع. وهذه الخطوة تعني من جهةٍ القضاءَ على ثقافة ديار بكر وتنوعها وتلونها المنعكسة على الشوارع والمحلات. إلا أنه كان يقول في خطابه بأنه جاء من أجل ترميم القلوب.

“لقد نفّذنا استثمارات بقيمة 30 مليار ليرة في غضون 15 عامًا. كنا قلنا بأننا سنعيد بناء الأماكن والمحلات المهدمة على نحو أفضل، وها نحن قد أنجزنا قسمًا منها ونقوم اليوم بافتتاحها.. ويجري الآن إنشاء المحلات، وترميم الأماكان التاريخية في بلدة سور كلٍّ على حدة، وسينطلق قريبًا تأسيس المصانع. خلال زيارتي إلى بعض التجار تحدثوا إليّ عن الحاجة إلى العمل. نحن وفّرنا أولاً أمن الأرواح والأموال، والآن جاء الدور على تأمين المستقبل وضمانه. وقد ضغطنا على الزرّ من أجل توفير الأعمال والوظائف. فنحن عازمون على تحويل ديار بكر إلى نجم ساطع ورقم واحد في المنطقة، لقد قرّبنا المسافات بين غرب تركيا وشرقها وبين جنوبها وشمالها. سنبذل كل إمكانياتنا لتطوير المنطقة وديار بكر. سنبني أفضل المنازل بدلاً من تلك المهدمة.. يمكن ترميم المنازل المهدمة، لكن من الصعوبة بمكان ترميم القلوب الكسيرة..، لقد أتينا لزيارتكم بهدف ترميم قلوبكم يا أهل ديار بكر الأحباء، ليست هناك أي مشكلة بين الأكراد والأتراك، وإنما المشكلة هي حزب العمال الكردستاني الإرهابي وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وقوات حماية الشعب الكردية. وقد أخذنا على أنفسنا أن لا نسمح لتلك التنظيمات بالإيقاع بين الأكراد والأتراك”.

وقد توجه يلدريم إلى مدينة ديار بكر مرة أخرى في مايو 2018، وأكد في خطابه هناك انطلاق حملة التطوير والتنمية في المنطقة بمجرد القضاء على الإرهاب، ثم تعهد وبشّر بأنهم عازمون على إطلاق حملة تطوير وتنمية خاصة في 23 ولاية، من أجل منع انضمام شباب المنطقة إلى تنظيمات إرهابية وتوجيههم نحو تحقيق رؤية وأهداف 2023 – 2053. 

لا أريد أن أطيل الحديث يا أهل إسطنبول وأدعوكم إلى ديار بكر حتى تشاهدوا بأم أعينكم ماذا تحقق من تلك الوعود السخية، ولا بد أن كثرة العاطلين المتجولين في شوارع وأسواق ديار بكر ستعطيكم فكرة عن عدد المصانع والمحلات التجارية المغلقة في السنوات الثلاث الأخيرة.

جولة قصيرة في بلدة سُور ستكشف لكم استمرار حظر التجول منذ ثلاث سنوات، وفيلاتٍ لا يُعرف أصحابها بنيت في هذه المنطقة محظورة التجول، والطريقَ الإسفلتي في منطقة ليست بها حركة مرور أساسًا، وأراضيَ فارغة لا تزال عليها أنقاض المنازل المدمرة. 

كما سترون ما بُني وهُدّم تحت اسم الترميم أو إعادة التأهيل أو التحول الحضري، وستدركون مدى القيمة التي تعطيها الحكومة للأحجار الأثرية التاريخية في منطقة “علي باشا” المدمرة في 2017 عندما تعاينونها معروضة للبيع في السوق.  

وإذا واصلتم الطريق حتى بلدة جزرة (الجزيرة) ومدينة شرناق ستواجهون منازل ومساكن بسيطة هشّة، مما سيساعدكم في الاطلاع على واقع الإسكان الموعود من طرف يلدريم في عموم المنطقة.  

فضلاً عن كل ذلك، إذا ألقيتم نظرة على وجوه أهالي ديار بكر وجزرة ونصيبين وشرناق، فإن عيونهم، إن لم يحولوها عنكم، ستتحدث إليكم ما عايشوه خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وما إذا بنَتْ حكومة حزب العدالة والتنمية “جسور أخوة ومحبة” بين الأكراد والأتراك. 

لبّ القول يا أهل إسطنبول: إن السيد يلدريم لديه كثيرٌ من الوعود قليل من التنفيذ، فلا تنخدعوا.

 
يمكن قراءة المقال باللغة التركية أيضاً: