التصنيفات
مقالات

المعينون يطيحون بالمنتخبين من رئاسة البلديات التركية

عادت صحيفة حرييت من جديد لنشر كلمات الكاتب المؤيد للحكومة عبد القادر سلوى في صفحاتها. فقد قال سلوى بإيجاز إنه بعد الانتخابات المحلية الوشيكة سيتم تعيين المزيد من الرؤساء في البلديات التي يفوز فيها حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد، والذي يحتفظ بمعقله في المنطقة الكردية بجنوب شرق تركيا.

كانت حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد عزلت بالفعل ما يربو على 80 من بين 103 رؤساء بلديات منتخبين يمثلون حزب الشعوب الديمقراطي، وعينت محلهم رؤساء آخرين، في إطار حملة على حزب الشعوب الديمقراطي في أعقاب محاولة الانقلاب التي جرت في شهر يوليو من العام 2016. الانتخابات المحلية من ركائز الديمقراطية، بل هي في الواقع جوهر المسألة. فالمشاركة في حكم المدينة تعني تحديد طريقة إدارتها.

لكن الأكراد قد حرموا من أهم حقوقهم الديمقراطية على مدى عامين متتاليين. فقد أجبر الأكراد على التعايش مع رؤساء بلديات معينين من الحكومة في المنطقة منذ عام 2016. ولنلق نظرة على كيفية هذا التعايش:

بادئ ذي بدء، ينبغي للمرء أن ينظر في كيفية وصول هؤلاء الرؤساء المعينين. لقد دخلوا هذه المدن والبلديات بصحبة الجنود ورجال الشرطة والدبابات والسيارات المصفحة بعد يوليو 2016. فمن ناحية، كانت الأعلام التركية تزين مباني البلديات لدى وصولهم، بينما أُخرج رؤساء البلديات المنتخبون في كثير من المدن وأيديهم مغللة بالأصفاد من الناحية الأخرى. لا تزال صورة الأعلام التركية الضخمة المتدلية من نوافذ بلدية ديادين، وهي بلدة في محافظة آغري في شرق تركيا، حاضرة في ذهني، وبالتأكيد لا يمكن لي ولا لأي كردي آخر أن ينساها طالما حيينا.

وبعد ذلك، ماذا فعل هؤلاء المسؤولون؟ أولا، عطلوا عمل المجالس البلدية. فحتى وقتنا هذا، لم تعقد المجالس اجتماعا واحدا في البلديات التي يحكمها هؤلاء الرؤساء المعينون. والميزانيات العامة التي تخص سكان المنطقة يجري إنفاقها حاليا كيفما يشاء رؤساء البلديات.

كما لا توجد أي آليات لمراجعة نفقات رؤساء البلديات والتدقيق فيها. وبالتوازي مع تعطيل المجالس البلدية، تمت إقالة جميع موظفي البلديات من رؤساء الأقسام إلى عمال الخدمة.

ولاحقا، تم القضاء على المكاسب الديمقراطية التي تحققت في نضالنا المستمر منذ عقود من أجل التعددية اللغوية والثقافية. فقد أزال رؤساء البلديات المعينون اللافتات المتعددة اللغات لتحل محلها أخرى تحمل اللغة التركية فحسب. وآمد (بالكردية) التي اختارها الأكراد عاصمة لهم صارت ديار بكر (بالتركية)، كما أعيد تسمية درسيم (بالكردية) إلى تونجلي (بالتركية).

جرى إغلاق ما إجماليه 21 مركزا ثقافيا في المنطقة. تم تغيير أسماء المتنزهات والشوارع وإزالة النصب التذكارية، من أورهان دوغان إلى أحمدي خاني، ومن روبوسكي إلى طاهر ألجي وأوغور كايماز. كل النصب التذكارية والتماثيل التي تتمتع بقيمة عالية عند الأكراد وتجسد المذابح التي قادتها الدولة والثقافة الكردية قد أزيلت.

ثمة حرب فعلية جرى شنها على الرموز والقيم الاجتماعية التي تخص الأكراد. المسارح ورياض الأطفال المتعددة اللغات والمكتبات ومدارس الموسيقى… كل شيء مكرس للحفاظ على الثقافة الكردية قد أُغلق. بل إن الإغلاق طال بعض بيوت العزاء التقليدية التي يجتمع فيها الناس لتقديم واجب العزاء لأهالي المتوفين.

هناك أماكن عامة أخرى استهدفها رؤساء البلديات المعينون، ألا وهي مراكز المرأة. فبعد أن عينت الدولة هؤلاء المسؤولين، تم إغلاق 43 مركزا نسائيا واثنين من البيوت الآمنة للنساء. كما ألغى هؤلاء المسؤولون الإدارات المعنية بسياسات المرأة وخط المساعدة الهاتفي المخصص لمكافحة العنف ضد المرأة، وطردوا سائقات الحافلات وسعوا جاهدين لمحو كل ما يخص النساء في المجال الاجتماعي.

كذلك تعرقلت الجهود التي بذلها حزب المناطق الديمقراطية، وهو حزب كردي ديمقراطي اجتماعي، من أجل حياة تتسم بالتعددية اللغوية والثقافية. فقد أزيلت جميع اللافتات المكتوبة باللغة الأرمنية والسريانية وأغلقت الدورات المفتوحة.

صحيح أن بلديات حزب المناطق الديمقراطية واجهت عدة مشكلات أيضا، كنا ننتقدها في نواح كثيرة، إلا أنه بلديات هذا الحزب كانت تتجه في الواقع صوب إقامة مجتمع أكثر عدلا في جميع النواحي. وجاء الحكام المعينون ليوقفوا هذا التقدم.

أعرف أن الكثير من قراء هذا المقال سيقولون “لكن رؤساء البلديات المعينين أنشأوا طرقا وزعوا زهوروا في الطرقات وجددوا الكثير من الشوارع”. ربما يكون هذا صحيحا، لكن ذلك كله من مهام البلديات بطبيعة الحال.

وفي ضوء ذلك، دعمت البلدية معرض توياب للكتاب المذهل الذي جرى تنظيمه في ديار بكر. لكن لا يمكن أن يغير أي من هذه “الأعمال الصالحة” حقيقة شغل تلك المقاعد بالقوة. فإذا كانت الدولة ورؤساء بلدياتها يثقون في أنفسهم إلى هذا الحد، لاستطاعوا أن يدفعوا بمرشحين من حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية.

إن طبيعة الرسالة التي يحملها الحديث عن “تعيين رؤساء البلديات من جديد” إلى الأكراد باتت واضحة الآن. فربما تقول لهم هذه الرسالة “لا تصوتوا لصالح مرشحي حزب المناطق الديمقراطية في أي شيء” أو “لا تصوتوا على الإطلاق”. لا أعرف صراحة أيهما تقصد الرسالة.

لكن ما لا تدركه الدولة ولا رؤساء بلدياتها هو أن قدرة الأكراد على انتخاب ممثل لهم تعني لهم مسألة حياة أو موت وتتعلق بالاعتراف الرسمي بوجودهم. لذا، سيتوجهون إلى مراكز الاقتراع وينتخبون رئيس بلدية مدينتهم. في يوم من الأيام، قال الرئيس رجب طيب أردوغان “لن أسمح لهؤلاء المعينين بأن يزيحوا أولئك الذين جاءوا بالانتخاب”. غير أنه سمح بهذا الأمر حتى الآن. وإذا استمر في السماح بذلك، فسيكتبه التاريخ عارا عليه وعلى بلاده.