التصنيفات
ahvalnews مقالات

المسكوت عنه تحت حكم العدالة والتنمية: مجزرة روبوسكي  | أحوال تركية

كانت أول مرة أذهب فيها إلى قرية روبوسكي في شهر إبريل من عام 2014. مررتُ حينها، في طريقي إلى هناك، بقرية أورتاصو. وعندما وصلنا إلى قرية غول يازي، وجدت رئيس جمعية روبوسكي “ولي إينجو” في انتظاري أمام الجمعية بصحبة أمهات روبوسكي. 
لاحظنا منذ الوهلة الأولى وجود عدد من الصور والملصقات المتعلقة بمجزرة روبوسكي على زجاج الجمعية، وقد خُطَّ عليها عبارة “العدالة من أجل روبوسكي. السلام من أجل العالم”.
لم تكن الجمعية كبيرة الحجم. كان المكان كله عبارة عن غرفة واحدة. كان هذا المكان، قبل وقوع المجزرة، مقهى للمدينة يتردد عليه الشباب، الذين راحوا ضحية الحادث، يتبادلون فيه أطراف الحديث. لاحظنا لدى انتقالنا إلى الداخل وجود لوحة مُعلَّقة على الحائط لُصِق عليها صور ضحايا المجزرة التي شهدتها القرية. وبعد أن التقينا بالأمهات انتقلنا جميعاً بصحبة عائلات القرية لزيارة المقابر. كانت المقابر في مكان مرتفع، بحيث كنا نرى جميع النقاط والتمركزات العسكرية المنتشرة في المكان من موقعنا. 
لاحظنا أن جميع النقاط العسكرية كانت تحاصر قرية روبوسكي من كل جانب، حينها تحدَّث إليَّ السيد ولي قائلاً “انظري يا سيدتي! إنهم يراقبون من هناك أي شخص يدخل أو يخرج من منزله. هيهات أن تجد شخصاً يقتل آخر هنا، حتى عن طريق الخطأ”. 
ومرت السنوات على هذه الزيارة، ولم يحدث أي تقدم في الدعوى المرفوعة للتحقيق في هذا الحادث. وفي هذا العام أيضاً رفضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الدعوى، بذريعة أن المحامين أرسلوا المستندات والوثائق الخاصة بالقضية في وقت متأخر. 
وفي محاولة للتخفيف عن أهالي روبوسكي وعائلاتها، وتقديم الدعم لهم، تم تأسيس جمعية هناك للقيام بهذا الغرض، لكن ما لبثت الحكومة التركية أن أغلقتها، واستولت على الأثاث الموجود بالمكان؛ من مناضد وكراسي وحواسيب، وفق مرسوم قرار استصدرته خصيصاً لتبرر به صنيعها، ولم تكتف بهذا فقط، فراحت تمارس ضغوطها، وتضيِّق الخناق عليهم باعتقال أفراد منهم، حتى صاروا في حالة يُرثى لها. تحدَّث إلىّ السيد ولي عما يتعرض له أبناء القرية من تنكيل من جانب الحكومة مع حلول الذكرى السابعة لوقوع الحادث الأليم التي يحين موعدها الغد فقال:
“قاموا بنشر عربات الجنود داخل القرية، وأغلقوا مداخل المقابر والطرق المؤدية إليها لمنع إقامة أية فعاليات، تزامناً مع حلول ذكرى وقوع هذا الحادث غداً”.
“التزم أهالي القرية منازلهم، ولم يجرؤ أحد على الخروج من بيته في ظل انتشار نقاط التفتيش والعربات المصفحة في كل مكان في القرية”.
شعر السيد ولي بغضب وحزن دفين، وهو يتحدث إلينا عن إعادة ملف القضية من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان:
“كان ملف قضية روبوسكي بمثابة حياة أو موت بالنسبة لنا، كان بمثابة بث الروح في جسد فارقته الحياة، ثم جاء قرار المحكمة ليشد من وثاقنا، ويقيد حركتنا. مر الآن سبع سنوات، ونحن نكافح من أجل نيل حقوق الذين وقعوا في هذا الحادث، ولكن جاء هذا القرار ليحرق قلوبنا، ويقضي على آمالنا تماماً. نحن نتحدث عن فاجعة حقيقية؛ فقد على إثرها 34 شخصاً، منهم 19 طفلاً، حياتهم. مع هذا، فضلت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، والمحاكم في تركيا التزام الصمت. لقد عمَّق قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان من جراحنا. وبقدر ما شعرنا بالغضب من قرار المحكمة، بقدر ما نشعر بالحنق أيضاً من المحامين، الذين وكَّلناهم للدفاع عنا؛ لأنهم قدموا للمحكمة الحجة التي تذرعت بها على طبقٍ من ذهب. 
كان يجب عليهم أن يكونوا أكثر اهتماماً ومراعاة لحساسية الموضوع. لا يمكنني وصف ما قاموا به سوى أنه نوع من الإهمال. ينتابني الفضول، وأنا أتساءل هل كان لدى هؤلاء المحامين ما هو أكثر أهميةً من قضية روبوسكي؛ حتى يتعمدوا إهمالها بهذا الشكل الفج؟  لم يحاول رئيس نقابة المحامين في شيرناق، أو أي من أعضاء النقابة التواصل معنا بأي شكل من الأشكال بعد قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. أخذنا ملف القضية منهم بعد هذه الواقعة، وأعطيناه إلى السيد كرم (كرم ألطي بارمَق)، فثارت ثأئرتهم ضدنا. لم يحضر أي منهم جلسة في محاكمة نائب حزب الشعوب الديمقراطي الكردي عن مدينة شيرناق، فرهات أنجو، ممثلاً عن النقابة في شيرناق.    
لا يمكن وصف ما قام به المحامون بكلمة أخرى غير أنه كان إهمالاً واضحاً. كنا قد تقدمنا بعريضة الشكوى في 17 أغسطس الماضي باسم رئيس نقابة المحاميين في شيرناق، ولكننا لم نتلق رداً منه أو من أي من أعضاء النقابة حتى الآن. باختصار، لقد انجرَّت قضية روبوسكي إلى طريق مسدود من الجور والإهمال.
وها نحن نشهد غداً الذكرى السابعة لهذه المجزرة. تختلف  مجزرة روبوسكي هذه عن مجازر أخرى شهدناها في التسعينيات؛ لأن الفاعل هنا لم يتردد في ارتكاب جريمته في وضح النهار، على مرأى ومسمع من العالم. لقد كانت مجزرة خططت الدولة ودبرت لكل ثانية ودقيقة من أحداثها. لهذا السبب كان من السهل على من وكَّلناهم للدفاع عنا أن يتتبعوا أثر الجناة. لقد قتلوا في التسعينيات 38 شخصاً في قرية كوجاغيلي التابعة لشيرناق أيضاً، ولكن مع إصرار السيد طاهر ايلجي وفريق عمله، استطاع أن ينتصر لحق الضحايا، ومعاقبة الجناة بعد ما يقرب من 20 عاماً. من أصدر الأمر لإلقاء القنابل على هؤلاء الضحايا، ومن نفَّذ هذه الجريمة، كل هذا موجود في محررات الدولة. باختصار، مجزرة روبوسكي، هي في حقيقة الأمر مجزرة فاعلها معلوم”.
وفي السياق نفسه، تحدّث معنا السيد ولي عما تتعرض له العائلات في روبوسكي من ضغوط من جانب الحكومة في الوقت الراهن بقوله:
“لم تكتف الدولة بقتل أقاربنا في هذه المجزرة، فراحت بعد ذلك تكثف من ضغوطها علينا أيضاً بعد ذلك؛ فقامت بتلفيق عشرات التهم ضد أبنائنا، تلك التهم التي تنظر المحاكم بشأنها في الوقت الحالي. إنهم قتلوا 34 شخصاً بدم بارد، ووجه القائمون على الحكم في هذا البلد الشكر إلى القوات المسلحة التركية على تنفيذ المهمة. لقد قدموا لنا حجج واهية؛ إذ قالوا إن الإرهابيين هم من أقدموا على تنفيذ هذه المجزرة، ولم يتوانوا عن تحقيرنا وإزلالنا. شهد اليوم الثاني من مراسم العزاء أحداثاً مؤسفة، لم نرض عنها في حقيقة الأمر؛ حيث تعرَّض رئيس منطقة أولو دَرَه، في ذلك الوقت، للضرب والرشق بالحجارة أثناء حضوره العزاء. تغاضت الدولة عن كل شيء؛ عن المجزرة نفسها، وراحت تتعقب من قاموا بهذا العمل. ولم يمر أسبوع واحد على هذا الحادث حتى زجَّت بأقارب ضحايا مجزرة روبوسكي من الدرجة الأولى إلى السجون، وحكم عليهم بالسجن مدد تتراوح بين ثلاثة أشهر إلى ثمانية.
وعلى الجانب الآخر، قام القضاء التركي، في اليوم الخمسمائة من روبوسكي، بمحاكمة الذين تركوا حزم القرنفل في منطقة المجزرة، ناسيا أو متناسياً من تركوا القنابل، الذين تمت تبرئتهم بيد القانون كذلك. وقف المواطنون الذين تركوا حزم القرنفل أمام القاضي في الأسبوع الماضي، وقالوا له “أنتم تحاسبوننا على ترك القرنفل. لماذا لا تحاسبون من ترك القنابل؟ نحن، أي عائلات روبوسكي، نتعرض لزخَّات من الظلم، ومع هذا لم يستمع أحد من خارج روبوسكي لصراخنا، ولم يستجب أحد لنداءاتنا”.
اختتمنا لقاءنا مع السيد ولي بسؤاله عما يرجوه من الرأي العام التركي إزاء ما يتعرضون له، فجاء رده على النحو التالي:
“أقول لجميع الحقوقيين المهتمين بهذه المجزرة؛ يجب أن نبذل الجهد حتى يمكننا أن نبدأ إجراءات التقاضي من جديد بشكل شفاف، كما نوجِّه نداءنا إلى حكومة حزب العدالة والتنمية كذلك؛ نحن لم نختر قدرنا بأن نصبح مظلومين، ولكنكم اخترتم أن تظلمونا بأحكامكم الجائرة ضدنا”.
لن تنجوا بفعلتكم هذه. لن يمكنكم تبرير ما حدث في روبوسكي تحت ذريعة الخطأ أو الحادث الإرهابي. سيأتي اليوم الذي ستدفعون فيه ثمن ما اقترفتم من جرائم في حقنا”. 

لقراءة المقال باللغة التركية على هذا الرابط