التصنيفات
مقالات

الجغرافيا الكردية تحترق وخبراء البيئة الأتراك يتفرّجون

احتدمت حرائق الغابات المدمرة لمدة شهرين في ديرسم، ذلك الإقليم الكردي الواقع شرق تركيا. واشتعلت هذه الحرائق نتيجة العمليات العسكرية.

ويسكن ديرسم، التي يُطلق عليها رسميًا تونجلي، أكراد علويون. وكانت ديرسم ساحة المذبحة الوحشية التي قامت بها قوات الأمن في عام 1938 والتي قُتل ونزح بسببها عشرات الآلاف. ويحيط بمدينة ديرسم جبال شاهقة وغابات كثيفة.

وعندما اندلعت النيران في منطقة علي بوغازي في مدينة ديرسم في شهر يوليو الماضي، لم يحرك المحافظ الإقليمي لتونجلي، ولا هيئة الغابات، ولا أي هيئة رسمية ساكئًا لإطفاء النيران. وبذل المتطوعون والمنظمات البيئية المحلية جهودًا مضنية للسيطرة على النيران التي استمرت لأسابيع.

ولم تشتعل نيران في الغابات في ديرسم في شهر أغسطس الماضي مع استمرار العمليات العسكرية.

ودمرت الحرائق التي بدأت في مقاطعات بلومور وهوزات وناظميا وأوفاجيك آلاف الهكتارات من الغابة وقتلت الحياة البرية. وأعاقت السلطات الجهود التي كان يبذلها نشطاء وأفراد المجتمع في المنطقة للتدخل، وتعللت السلطات بوجود مخاوف أمنية. لكن السلطات لم تكن مهتمة بالسلامة من الحرائق.

وأصدر عدد من النشطاء والمنظمات البيئية المحلية بيانًا مشتركًا يطالب السلطات بإطفاء النيران، لكن لم يتغير أي شيء. ووجهت لأولئك الذين تحدثوا عن القضية، أو نشروا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، أو حاولوا إبلاغ العامة بالحرائق اتهامات بدعم إرهابيين! وهي قضية تركية كلاسيكية!

وتندلع الحرائق في الكثير من المناطق النائية في كل فصل صيف بسبب العمليات العسكرية ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني في الجبال في جنوب شرق تركيا الذي يعيش به الأكراد بصورة رئيسية.

وخسر الجودي، وهو أحد الجبال الشهيرة في ريف كردستان وليجه، وهي مقاطعة ريفية في مسقط رأسي ديار بكر، الكثير من النباتات والحيوانات البرية في عدد من السنوات الماضية بسبب الحرائق الناتجة عن العمليات العسكرية.

وقال مراد شيباني، عضو البرلمان عن حزب الشعوب الديمقراطي المعارض المؤيد للأكراد، الأسبوع الماضي إن الحرائق تُعد جريمة دستورية. وقال إن أكثر من تسعين حريقًا اندلع في 33 مقاطعة في الفترة ما بين 16 إلى 23 يوليو الماضي، لكن وسائل الإعلام غضت الطرف عن الحرائق التي اندلعت في الإقليم الكردي. كما تجاهلت وسائل الإعلام الدولية الحرائق ولم تقم بتغطيتها.

وسلبت الدولة التركية خلال الحرب التي استمرت 34 عامًا مع حزب العمال الكردستاني الجغرافيا الكردية، واحترقت الغابات وفسدت الأنهار. وأدت الأسلحة الكيماوية إلى حدوث أمراض خطيرة. وقال لي خبراء البيئة الذين أجريت معهم مقابلات منذ أربعة أعوام في ديرسم أثناء إعدادي لكتابي “المجتمع المدني في كردستان”، إن عدد المصابين بمرض السرطان أعلى في ديرسم منه في الأقاليم الأخرى في تركيا، وذلك بسبب الأسلحة الكيماوية التي استخدمتها الدولة.

من الواضح أن الدولة ستواصل التسبب في الحرائق في الإقليم الكردي الذي تكرهه. وليس لدي أكثر من ذلك لأقوله للدولة التركية، وليس لدي حقًا أية توقعات من هذه الدولة. واليوم، لدي كلمات قليلة لخبراء وعلماء البيئة ومنظمات المجتمع المدني في تركيا الذين يشاهدون هذه الحرائق ولا ينبسون ببنت شفة.

وظل خبراء وعلماء البيئة ومنظمات المجتمع المدني في تركيا يغضون الطرف عن هذه الحرائق في الإقليم الكردي لمدة 34 عامًا.

وتشاهد المنظمات البيئية الشهيرة والمنظمات التي تضم علماء البيئة في تركيا، وأيضًا المنظمات الدولية التي لها فروع في تركيا هذه الحرائق. فحياة الأشجار، والنحل، والغزلان، والطيور غير مهمة بالنسبة لهذه المنظمات غير الحكومية وخبراء البيئة. وفي نظر المنظمات غير الحكومية وخبراء البيئة فقد ارتكبت هذه الحيوانات والأشجار جريمة لا تُغتفر لأنها جزء من البيئة الكردية.

وقد مات المجتمع المدني في تركيا بالفعل، ليس فقط بسبب الضغط الذي تمارسه الدولة، لكن أيضا بسبب الرياء. وعندما يتعلق الأمر بالأكراد، تظل أعين أفراد المجتمع المدني مغلقة وآذانهم مسدودة وأفواههم صامتة. فقد اختاروا عدم رؤية الجرائم التي ترتكبها الدولة ضد الشعب الكردي، وضد الطبيعة والجغرافيا الكردية.

وخلال حظر التجول الذي فرضه الجيش في سيلوان (فارقين بالكردية)، تحدث أحد الشباب إلى وسائل الإعلام قائلًا:

“إن الحرائق مشتعلة بجوارنا… وشباب جزيرة ابن عمر يموتون، وشباب فارقين يموتون، وشباب بسمل يموتون. ألا يساوون شيئًا؟ اليوم، فارقين تُدافع عن كل شخص. لكن لا يُدافع أي شخص عن فارقين. ولن ننسى هذا. وقد أقسمنا بدماء شهدائنا ألا نتخلى عن كفاحنا. أخواتنا يمتن اليوم. وإخواننا يموتون اليوم، إخواننا. ألا نساوي حتى شجرة اليوم؟ فمن أجل شجرة واحدة في إسطنبول ينتفض الجميع. نحن الآن تحت وابل من الرصاص منذ سبعة أيام. لا يوجد أي شيء هنا، لا خبز ولا طعام… ألسنا بشراً؟ ألا نساوي حتى شجرة؟”

وللأسف فإن الإجابة بلى! فنحن كأكراد نعرف أن حياتنا، وحياة حيواناتنا وأشجارنا ليست ذات قيمة، ليس فقط في نظر الدولة التركية، لكن أيضا في نظر المنظمات غير الحكومية التركية!