التصنيفات
ahvalnews مقالات

أينما وضع أردوغان يده يحل الفشل والخراب

أطلقت تركيا مشروع جنوب شرق الأناضول “جاب” منذ حوالي 40 عامًا.

ويعتبر المشروع واحداً من أكبر مشاريع تطوير أحواض الأنهار في العالم وأكبر مشروع تطوير فردي تقوم به تركيا، ويشمل 13 مشروعا للري والطاقة الكهرومائية، وبناء 22 سدا و19 محطة للطاقة الكهرومائية على نهري دجلة والفرات.

وأكدت السلطات التركية أن المشروع سيؤدي إلى خلق أربعة ملايين وظيفة جديدة في منطقة يبلغ معدل البطالة فيها ضعف المعدل القومي.

لكنها فشلت في تحقيق الازدهار والعمالة الموعودة بالمنطقة، ناهيك عن مقاطعة أورفة الجنوبية، مركز المشروع.

تُظهر تحديات المشروع كيف يمكن لنظرية التحديث التقليدية أن تفشل في منطقة تعاني منذ قرون من المظالم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

وفي الخمسة عشر عامًا الماضية، أصبح العمل الموسمي أحد مصادر المعيشة الرئيسية في جميع المحافظات تقريبًا في منطقة تغطية مشروع “جاب”، بما في ذلك في أديامان، وبطمان، وديار بكر، وغازي عنتاب، وكلس، وماردين، وسعرد، وأورفة، وشرناق، حيث فشل المشروع في تحقيق التنمية الكافية وتوفير فرص العمل.

وغالبًا ما تلفت هذه المحافظات، وخاصة أورفة، انتباه وسائل الإعلام بسبب وفاة العمال الموسمي، حيث يهاجر الآلاف من سكان المنطقة إلى مدن أخرى من أجل العثور على وظائف مؤقتة في المزارع.

إذن فلماذا تحول المشروع إلى مثل هذا الفشل الذريع؟

تم إطلاق المشروع رسميًا في السبعينيات، وكان في البداية مشروعًا تقوده الدولة إلى حد كبير ويهتم بشكل أساسي بالبنية التحتية والتنمية الاقتصادية.

ومن خلال خطة أكثر شمولاً تم إعدادها في عام 1989، تم تحويل مشروع “جاب” إلى مشروع تنمية متكامل يشرف أيضًا على التنمية الاجتماعية؛ بما في ذلك التعليم والصحة والاستثمارات في البنية التحتية الريفية والحضرية ومراكز الشباب. كان من المقرر الانتهاء منه في عام 2010.

تألف الفريق المسؤول عن إدارة المشروع قبل عام 2002 من أكثر مسؤولي التطوير المؤهلين في تركيا، تحت قيادة أولكاي أونفر، أحد أكثر البيروقراطيين كفاءة في تركيا، وكانت بمثابة مدرسة دربت مسؤولي التنمية المستقبليين في تركيا. وبمجرد وصول حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى السلطة في عام 2002، أقال جميع الأعضاء المهرة في الفريق التقني التابع للمشروع، بمن فيهم أونفر.

وفي عام 2008، أعلن رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان عن خطة عمل جديدة تم فيها تحديد أربعة محاور للتنمية الاستراتيجية: تحقيق التنمية الاقتصادية، وضمان التنمية الاجتماعية، وتطوير البنية التحتية، وتحسين القدرات المؤسسية.

وقال أردوغان في 27 مايو 2008، خلال مؤتمر صحافي، إن الهدف الرئيسي لخطة العمل هو “تحقيق الازدهار والسلام والسعادة للمنطقة”.

لكن مشروع “جاب” لم يحقق الازدهار والسلام ولا السعادة للمنطقة، لاسيما بعد وأد المرحل الرابعة من خطة العمل، وهي تحسين القدرة المؤسسية، بعد إقالة المسؤولين الأكفاء في تركيا.

لم يكن التطور الاقتصادي المخطط له في المشروع ممكناً، ولم تستطع الحكومة تقديم حوافز تجعل الاستثمار في المنطقة المضطربة جذاباً أو يعوض عن المخاطر المحتملة.

لم يتحقق هدف تقريب الاقتصاد المتعثر في المنطقة من متوسط الدولة في مجالات مثل التعليم والصحة والعمالة والخدمات الاجتماعية والثقافة – جزء من خطة التنمية الاجتماعية – لأن الاستثمار الضروري لم يتم في هذه المنطقة. ربما تم تقديم المزيد من المساعدة للفقراء في المنطقة خلال هذه الفترة، ولكن لم يتم اعتماد استراتيجيات للقضاء على الفقر بشكل فعال.

وهنا نسرد الإنجازات فيما يتعلق بالبنية التحتية: تم الانتهاء فقط من 13 من أصل 19 محطة للطاقة الكهرومائية في إطار المشروع وتم الانتهاء من تشييد 19 من السدود الـ 22 المخطط لها، وفقًا لأرقام 2018.

وكان الهدف من المشروع هو توفير أنظمة الري لمساحة 1.8 مليون هكتار، ولكن تم فتح حوالي 559 ألف هكتار فقط من الري. وبشكل عام، تم تحقيق قدرة 74 بالمئة في مشروعات الطاقة خلال 40 عامًا، و53 بالمئة في مشروعات الري. علاوة على ذلك، فإن مكونات الطاقة في المشروع تعطي الأولوية عمومًا لتوفير الطاقة للبلد بأكمله، وليس للمنطقة.

كان الري هو المكوِّن الرئيسي المراد تحقيق منافعه في المنطقة. ولكن لسوء الحظ، لم تسير مشاريع الري جنبًا إلى جنب مع غيرها من البنية التحتية والاستثمارات الاجتماعية، وكثير من الأموال المتداولة في المشروع دخلت جيوب أصحاب الأراضي وملاك الأراضي بدلاً من الفقراء.

وبعيدًا عن كل هذه العلاقات السببية والنتيجة، فإن الصراع بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني المستمر في المنطقة هو العامل الأكبر في الفشل في الوصول إلى الأهداف الأساسية للمشروع حتى بعد 40 عامًا. وطالما تستمر الحرب، سيأتي عدد قليل من المستثمرين أو يخلقون فرص عمل، ولن يتحقق “الازدهار والسلام والسعادة” الذين ذكرهم أردوغان.

سيظل سكان المنطقة من العمال الموسميين يموتون على الطرق، وسيظلون يسكبون العرق في مواقع البناء في الغرب، وسيستمر أطفالهم في جمع القمامة في أكبر المدن التركية مثل اسطنبول وإزمير.

الآن، بعد 40 عامًا، نحتاج إلى النظر إلى الوراء ومعرفة إخفاقاتنا لتحقيق أقصى استفادة من المشروع.