التصنيفات
ahvalnews

أن تكون كرديا في تركيا

يبتسم شيرين في هذه الصورة. ويقف مثل كثيرين من الشباب الأكراد الآخرين: يمسك هاتفاً بيد واحدة ويلوح بعلامة النصر بالأخرى. إنه شاب وسيم. يبدو أن الصورة التقطت في منطقة بناء وسط مساحات خضراء كثيرة في الخلفية. أكثر ما يلفت الانتباه في هذه الصورة هو ابتسامة شيرين المفعمة بالأمل.

كان شيرين طوسون يبلغ من العمر 19 عاماً. وربما تم التقاط هذه الصورة قبل أشهر قليلة من وفاته. كان يعمل مضيفاً لشركة حافلات مقرها مدينة ديار بكر التي تقطنها أغلبية كردية في جنوب شرق تركيا. ومن أجل المساعدة في إعالة أسرته، سافر معهم إلى شمال غرب تركيا للعمل الموسمي في حصاد البندق. وفي أحد الأيام، كان الطقس ممطراً، لذلك أخذ استراحة من جمع البندق وذهب إلى المدينة مع أصدقائه. كان هو وصديقه في طريقهما إلى المنزل ليلاً، عندما مرت حافلة تحمل لوحة تراخيص من ديار بكر.

توقفت الحافلة وتحدثوا باللغة الكردية مع بعضهم البعض. سمعتهم مجموعة من ستة أشخاص كانوا يمرون بالقرب منهم وهم يتحدثون باللغة الكردية، وشرعوا في مهاجمة شيرين وصديقه بسبب التحدث باللغة الكردية. بعد أن وجهوا السباب والشتائم، ألقوا زجاجات. أطلق أحد أفراد المجموعة النار على شيرين من مسافة قريبة، وأصيب شيرين في رأسه. وبعد نقله إلى المستشفى، ظل في العناية المركزة لمدة 50 يوماً قبل أن يرحل في الأسبوع الماضي. قُتل شيرين، الفتى البالغ من العمر 19 عاماً صاحب الابتسامة الجميلة، بسبب التحدث بلغته الأم.

كما تعرض كردي آخر، يدعي أكرم ياشلي ويبلغ من العمر 74 عاماً، لهجوم بسبب ارتكابه “زلة” التحدث باللغة الكردية في تركيا الأسبوع الماضي. كان في المستشفى لرعاية زوجته البالغة من العمر 71 عاماً التي كانت تجرى لها جراحة في العين. وعندما سمعهما مسؤول آخر يتحدثان باللغة الكردية، صرخ قائلاً “هذه هي الجمهورية التركية” وضرب الرجل العجوز على رأسه بزجاجة مياه غازية. ولم يتفاعل أي من المارة مع المهاجم البالغ من العمر 22 عاماً. وعلى الرغم من شكاوى الزوجين المسنين والجرح الضخم في رأس باشلي، تم إغلاق القضية بسبب “عدم العثور على أدلة دامغة تدعم المزاعم غير الملموسة”.

قررت نفس الدولة التي غزت منزلي بأقنعة وبنادق كلاشنيكوف بسبب تغريدات نشرتها تدعو للسلام، أن الجرح في رأس باشلي كان غير ملموس. هذه هي الجمهورية التركية، بعد كل شيء!

نحن الأكراد نفهم جيداً ما تعنيه عبارة “هذه تركيا”. في صيف عام 1996، كنت جالسة في مقدمة حافلة متجهة من أنقرة إلى ديار بكر تعرضت للهجوم وكانت على وشك إضرام النار فيها. يتذكر الناس في ديار بكر هذه الواقعة جيداً. فعندما تحطمت حافلتنا، افترضنا أن الناس سيأتون لمساعدة الضحايا، بمن فيهم الأشخاص الذين كانوا في حالة صدمة وكذلك بعض الذين فقدوا أرواحهم. اتضح أن الأصوات القريبة التي سمعناها كانت في الواقع ترمي الحجارة علينا، وأضرمت فينا النيران. بعد أن نجوت من الاصطدام الأمامي، ما زلت أتذكر البكاء وشظايا الزجاج التي كانت تغطيني وأصوات الأشخاص الذين افترضت أنهم هرعوا للمساعدة وهم يقولون “هل يجب أن نحرقهم؟”

بمساعدة عدد قليل من أعضاء البرلمان في أنقرة، تم نقل حافلتنا إلى مركز للشرطة، وقام الجيش بحراسة المجموعة المكونة من 50 شخصاً كردياً، بمن فيهم الأطفال والنساء الحوامل، لذلك لم يتم إضرام النار فينا. وغادرنا بعد يومين. وحتى يومنا هذا لا تزال تتردد في ذهني أصوات الناس الذين حاولوا حرقنا قائلين، “هذه هي تركيا”.

نسمع شعار “هذه هي تركيا” في الأحداث الرياضية وعندما نسافر إلى غرب تركيا للعمل أو لقضاء عطلة وعندما نذهب إلى الشواطئ الجنوبية بسيارات تحمل لوحات تراخيص من ديار بكر … نسمعه دائماً.

يتجادل الناس في هذه الأيام بشأن مزاعم بأن الروائية التركية أسلي أردوغان قالت “لقد تم تعليم الأتراك أن يكرهوا الأكراد”.

لقد هاجمها الناس من اليمين واليسار، بنفس مشاعر “هذه هي تركيا”. وقد بات واضحاً فيما بعد أن أسلي لم تدل بهذا التصريح مطلقاً. لكن حقيقة أنها لم تقل تلك الكلمات أبداً لا تقلل من حقيقتها. إنها لا تقلل من الألم الذي تعرض له الناس على مدار 100 عام بسبب اختلاف هويتهم ودياناتهم ومعتقداتهم وعرقيتهم. إنها لا تغير حقيقة أن كلمة “أرمني” تُستخدم كلعنة وحقيقة قبول قتل الأكراد…

لا أعرف ما الذي شعر به الأتراك، أو كيف تم تعليمهم إهانة وكراهية الأكراد، وسيتعين عليهم التفكير قليلاً والعثور على إجابة لذلك بأنفسهم.

لكن الأتراك ليسوا هم المشكلة فحسب. نحن الأكراد أيضاً تعلمنا أن نكره أنفسنا. لقد تعلمنا أن نكره أمهاتنا وآبائنا ولغتنا وثقافتنا. لقد جعلونا نشعر بأننا سنكون موجودين فقط إذا كرسنا وجودنا للتركية. لقد نشأ الأطفال الأكراد في هذا البلد وهم يشعرون بالغضب والألم، لكن الجميع نظروا في الاتجاه الآخر على الأرجح.

نعم، “هذه هي تركيا”. لكن هل يريد الأتراك مواصلة العيش بهذه الطريقة؟ هل أنتم سعداء؟ هل ترغبون في الاستمرار في كره جيرانكم وزملائكم ورفاق الدراسة ومصففي الشعر والأطباء والمدرسين وعمال الإصلاح، لمجرد أنهم يرفضون التخلي عن هويتهم الكردية؟ هل جعل قتل شيرين البلاد أفضل؟ أم اغتيال الصحفي الأرمني هرانت دينك في عام 2007، لأنه اتُهم “بإهانة التركية”؟ هل هذا هو المستقبل الذي تريدونه لأطفالكم؟ هل مصير أطفالنا تكرار القرن الماضي، حيث إما أن يقتلوا أو يُقتلوا؟

ألا تدرك أنك تهين التركية بدلاً من أن ترتقي بها؟ نعم، هذه تركيا، وأعتقد أن بالإمكان أن تكون هناك تركيا حيث لا يتعين علي التخلي عن الكردية. لكن الكثيرين يصرون باستمرار على محاولة هذا الاعتقاد بعيداً عني.