التصنيفات
مقالات

أكراد تركيا.. رغم الألم غُرس الأمل فينا

لم تستمر الاحتفالات طويلا ليلة الانتخابات في ديار بكر، كبرى مدن الجنوب الشرقي في تركيا حيث أغلبية السكان من الأكراد، بعد أن تبين نجاح حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد في الحصول على نسبة العشرة بالمئة من الأصوات اللازمة لضمان مقاعد في البرلمان.
تبين كذلك أن الرئيس رجب طيب أردوغان قد انتخب لفترة جديدة وأن حزبه، حزب العدالة والتنمية وحليفه حزب الحركة القومية اليميني المتشدد، سيتمتعان بالأغلبية داخل البرلمان.

لف المدينة صمت مطبق.
قال بعض ممن التقيتهم “فرحتنا تحولت إلى ألم في المعدة.”
لا أنوي في هذا المقال تقديم تحليل مفصل لنتائج الانتخابات. لكن يمكنني القول إن توقّعات غالبيتنا خابت جراء النتائج في المدن التي يسكنها الأكراد. الصمت التام في الجنوب الشرقي قبل الانتخابات، وإصرار الناس، والدمار الذي شهدته المدن الكردية في السنوات الثلاث الأخيرة، كلها عوامل جعلتنا نظن أن حزب العدالة والتنمية سيعاني تراجعا حقيقيا في نسب التأييد.
لكن هذا لم يحدث في الواقع. وفي ديار بكر، حصل حزب العدالة والتنمية على 21 بالمئة من الأصوات (مقابل 21.4 بالمئة من الأصوات في انتخابات نوفمبر 2015)، بينما حصل حزب الشعوب الديمقراطي على 66 بالمئة (مقابل 72.8 بالمئة في نوفمبر 2015).
وفي ماردين، الإقليم الواقع في الجنوب، حصل حزب الشعوب الديمقراطي على 59.3 بالمئة (مقابل 68.4 بالمئة في نوفمبر 2015)، بينما حصل حزب العدالة والتنمية على 30.4 بالمئة (مقابل 28.5 بالمئة في نوفمبر 2015).
وفي الجزيرة، الحي الواقع في شرق ماردين، حصل حزب الشعوب الديمقراطي على 82.13 بالمئة (مقابل 93.2 بالمئة في نوفمبر 2015،) وحصل حزب العدالة والتنمية على 9.96 بالمئة (مقابل 4.9 بالمئة في نوفمبر 2015).
وشهدت مدن أخرى كذلك تراجعا مماثلا في نسب التأييد لحزب الشعوب الديمقراطي.
من الواضح أن حزب الشعوب الديمقراطي قد فقد أصواتا في الجنوب الشرقي، وإن لم تكن بأعداد كبيرة. وكغيره من الأحزاب السياسية، يتعين على حزب الشعوب الديمقراطي تحليل هذه النتائج.
هناك العديد من العوامل التي أدت لهذه النتيجة. هناك بيئة الخوف والقمع في المنطقة، وتزوير الانتخابات، وقرار المجلس الأعلى للانتخابات نقل صناديق الاقتراع في بعض المناطق، وتعيين أفراد أمن ورؤساء بلديات بكثافة في هذه المنطقة، وعرقلة الحملة الانتخابية لحزب الشعوب الديمقراطي، وواقع أن كثيرين من القيادات الرئيسية للحزب إما في السجون أو خارج تركيا.
لكن يبدو وكأن افتقار الحركة التركية لنقد الذات بعد حرب المدن التي اندلعت في أواخر 2015 لم تمر بلا أثر على النتائج أيضا.
ما يثير قلقي هو التكتل القومي الأصولي في تركيا، والذي تعزز أكثر بعد هذه الانتخابات. لقد حصل حزب الحركة القومية وحزب الصالح معا على 22 بالمئة من الأصوات. وإن أضفت إليهما ما حصل عليه حزب العدالة والتنمية من أصوات، ستجد نفسك أمام موقف أكثر قتامة.
إن نتائج الانتخابات تكشف عن المشاكل التي سنواجهها في المستقبل. فمن الآن فصاعدا، علينا أن نواصل الكفاح بطريقة فيها تخطيط أفضل وتفكير أفضل واستفادة أكبر من أخطائنا والكثير من العمل الجاد.
من الخطأ وصم من صوتوا لصالح حزب العدالة والتنمية أو لصالح أردوغان بأنهم أعداء أو أغبياء أو جهلة، ليس هذا فحسب، بل سيكون هذا منهجا استعلائياً وسيؤدي لكثير من الفرقة.
الأهم هنا أن هذا المنهج لن يعود علينا بأي فائدة. بل ما يفيد أكثر هو أن نفهم سر تصويت عدد كبير من الناس لصالح حزب العدالة والتنمية ولصالح أردوغان، رغم بيئة الخوف والقمع الموجودة، ورغم التردي الاقتصادي ورغم أن كثيرين فقدوا وظائفهم أو سجنوا بلا سند قانوني.
أعتقد أن على جميع الأحزاب أن تبدأ في دراسة أخطائها.
لقد تعلمنا الكثير، جميعا، خلال هذه الفترة. لقد عمل الآلاف من الأشخاص بلا كلل حتى اليوم الأخير، عملوا في كل شارع وفي كل حي. وعمل مئات الآلاف كمندوبين في مراكز الاقتراع أو مراقبين في يوم التصويت أو لحماية صناديق الاقتراع.
قبل بضعة أيام من الانتخابات، كتب إرغون باباهان مقالا بعنوان “هل يمكن هزيمة الفاشية في صناديق الاقتراع؟” وأكد فيه أن الفاشية في تركيا سعت للتوسع ولخلق جيل جديد من “النساء الجدد” و”الرجال الجدد”.
وبينما كنت أقرأ مقال باباهان، أخذت أفكر في البدائل التي نملكها في مواجهة هذه الفاشية.
الآن أظن الوقت قد حان لإبراز هذه البدائل والتركيز عليها. ورغم الخيبة التي أصابتنا من نتيجة الانتخابات، فلقد كنا شهودا كذلك على الكثير من الأشياء خلال فترة الانتخابات ساهمت في غرس الأمل بداخلنا.
مئات الآلاف بذلوا معا جهدا كبيرا، محاولات من جانب الناخبين المؤيدين لحزب الشعوب الديمقراطي وحزب الشعب الجمهوري العلماني المعارض لفهم وحماية بعضهما البعض، وجهود مشتركة من الطرفين لتقوية الصفوف؛ كانت صورة جميلة منحتنا الأمل.
لقد تعلمنا أن نتشبث ببعضنا البعض. لا اعرف إن ان هذا سيستمر أم لا. لكن دعونا نأمل أن يستمر.
لقد عشنا فترة من العنف المباشر وغير المباشر. وربما يتسع نطاق هذا العنف. ورغم أن الأغلبية في تركيا تبارك هذا العنف وتصفق له، فإن هذا لن يغير حقيقة أن من يتعرضون له يقدرون بالملايين.
دعونا لا نتوقف عن الجهر باعتراضاتنا.
كل هدف لنا سيكون بمثابة صدع في جدار الفاشية. هذه الصُدوع ستتسع شيئا فشيئا، وسنتحد، وسنكسر هذا النظام. ما يهم الآن لم تعد الانتخابات ولا النضال في صناديق الاقتراع.
المهم الآن هو النضال من أجل الحريات، من أجل العدالة والمساواة والإنسانية. وهذا طريق لا يجوز أن نقبل الهزيمة فيه.
الهزيمة الحقيقية هي الاستسلام للرصاصات.
دعونا نواصل العمل لتوسيع هذه الصدوع.