التصنيفات
مقالات

أكراد تركيا: أعلنوا الحرب علينا وألقوا نوابنا في السجون

يوم ربيعي جميل في دياربكر. وهناك صور لأردوغان قد تزينت بالأعلام التركية، وصُفَّت كل 4-5 أمتار على طول الطريق، وأظن أنني لن أنسى على الإطلاق هذا المنظر حتى وإن مرت عليه سنوات عديدة. كما غُرست الأزهار على الأرصفة بطول الطريق أيضاً.
عليَّ أن أكون منصفة؛ فالوصيَّ هذه المرة لم يغرس زهور شقائق النعمان، وإنما الأزهار الجميلة المناسبة لجغرافية المنطقة. فالأموال التي تركتها بلدياتنا في خزاناتها يُنفقها الأوصياء الآن بكل راحة وسهولة.
أدخل مدينة سور. سور التي تشهد حالة من الإنشاءات لم تنتهِ منذ عامين ونصف العام. أجلس على أحد المقاهي، فيلتف الشباب من حولي. ويدور حديثنا عن الانتخابات المقبلة.
يستحيل القول إن الانتخابات خلقت نوعًا من الأمل أو الحراك في دياربكر. ومهما تكن نتيجة الانتخابات؛ تبدو فكرة أن تركيا لن تمنح الأكراد حقوقهم وحرياتهم هي المهيمنة على الساحة تمامًا.
وما عزَّز هذا التصور تمامًا، ليست الأحداث التي وقعت في المنطقة في آخر عامين فحسب، بل وردّ الفعل التركي تجاه عملية الاستفتاء التي جرت في إقليم كردستان العراق، وما يحدث في عفرين. يقول أحد الشباب الذين تحدثت إليهم:

“صار لدينا 80 نائبًا في البرلمان؛ فماذا حدث؟ لقد أعلنوا الحرب علينا، وألقوا نوابنا في السجون. فماذا يحدث لو كان لدينا 300 نائب، لا شك أنه سيتم هذه المرة تنظيم انقلاب من أجل طرد الأكراد من البرلمان.”
إن الوحدة القومية للأكراد صارت موضوعًا مطروحًا للنقاش والتناول في الآونة الأخيرة أكثر من الانتخابات التي ستجرى في تركيا. ويتم تقديم عجز الأكراد عن الاتحاد وعدم دعمهم لبعضهم بعضاً كسبب مهم لما حدث لهم.
يخاطبني أحد الشباب الأكراد واصفًا ذلك الوضع قائلًا: “الأخت نورجان! لسنا في حاجة إلى الأعداء، إننا بارعون في الحط من قدر أي كردي يحقق قليلًا من النجاح.”
وبالرغم من كل أعمال “الإنشاء” والبنية التحتية يبقى حزب العدالة والتنمية ضعيفًا جدًا في دياربكر تأثرًا بعدم كفاية ممثليه، إلى جانب الدمار الذي أحدثوه هنا.
ومع أن قطاعًا صغيرًا من الناس يستحسن أعمال “الإنشاء” الجارية؛ إلا أن الغالبية العظمى في المدينة لم تنسَ كيف دمرت سور. فلا يزال رعب الدمار الذي حدث ماثلًا حاضرًا في الأذهان بكل حيويته.
إن الأحداث التي تقع خلال الصراعات وفترات حظر التجوال تبدو أنّها قد شكلت نوعًا من رد الفعل ضد الحركة الكردية.
إن السؤال “لماذا وقعت هذه الأحداث؟” لا يزال مطروحًا. ولا سيما أن الفئة العمرية المتوسطة وفوق المتوسطة أكثر استياء من هذه الأحداث التي وقعت، ويتوقعون أن تثمر تلك الأحداث التي لا تزال مستمرة منذ عامين ونصف العام في أن تقوم الحركة الكردية بإجراء نقد ذاتي لنفسها.
وثمة مدرس رياضيات تحدثت إليه، يعبر عن ردة فعله هكذا:

“فقدنا أملنا وما نؤمن به بسبب الحرب الأخيرة. أجل، لقد عشنا أحداثاً مرعبة في التسعينيات أيضًا، ولكننا كنا نؤمن بأن الحركة الكردية ستضع المصالح الكردية في المقدمة. غير أننا رأينا في آخر حرب جرت في المدينة أن الوضع ليس كذلك. لماذا مات أولادنا اليافعون؟ كان على الحركة أن تكون على علم بما يمكن أن تفعله هذه الدولة. إن لم تعرف هي هذه الدولة فمن سيعرفها إذًا! ينبغي ألا تكون أرواح الشباب الأكراد رخيصة هكذا. لم تستطع الحركة الكردية أن تشرح لنا هذه العملية، ولا أحد أيضًا يُحاسب على ذلك. الشاب الكردي شاب كردي، وليس مجرد رقم؛ فكان ينبغي بذل المزيد من النضال والكفاح كي لا يموت هؤلاء الشباب.”
وحين سألت هذا المدرس “حسن؛ مَن الذي سوف تصوت له في الانتخابات؟” أجابني قائلًا:

“بالطبع أصوت لصالح حزب الشعوب الديمقراطي، لأن التصويت لحزب الشعوب الديمقراطي سبب وجود بالنسبة لنا.”
وفي اليوم التالي ذهبت إلى نصيبين، وكان المناخ هناك يبدو وكأنه لا يحمل أملًا. والشباب الذين تحدثت إليهم في متنزه “السلام” لا يتحدثون بتفاؤل. إنهم لا يهتمون بالانتخابات.
هنا أيضًا تهيمن فكرة أن نتيجة الانتخابات لن تغير شيئًا بالنسبة للأكراد. ولا سيما أن أحد الشباب يقول “يكفي أن يرحل أردوغان”. بينما آخر يقول غاضبًا على نصيبين “الجديدة” التي تنشئها هيئة الإسكان الاجتماعي التركية:

“نصف الشعب راضٍ عن هذه المنازل. أما النصف الآخر فليس براضٍ عنها. المنازل لطيفة في العموم، ولكن هذا ليس هو القضية. القضية فيما يكمن تحت تلك المنازل. إن الجنائز لا تزال تخرج من تحتها.”
وثمة شاب آخر من شرناق يضيف قائلًا إنه لن ينس تلك الأحداث والوقائع:
“لقد دُمِّرت شرناق كلها. إن شرناق تبدو وكأنها شيء منعدم. إنهم ينشؤون شرناق جديدة، ولكنها لا تنتمي إلينا. أجل، أنا أيضًا أسأل نفسي كثيرًا “لماذا؟”.
الأكراد متعبون ويشعرون بالغيظ والسخط. لقد ضعُف إلى حد كبير إيمانهم بأنهم سيستطيعون الحصول على حقوقهم بشكل ديمقراطي في هذه البلد. وتدمير المدن والرعب السائد وعمليات التهجير التالية لذلك؛ كل هذا ينمي ذلك الغيظ.
إن الأشخاص الذين التقيت بهم بالرغم من حضور فكرة أن الانتخابات لن تغير شيئًا كثيرًا بالنسبة للأكراد، بل ومن تعددت أسباب سخطهم على الحركة الكردية، يقولون إنهم سيذهبون إلى صناديق الانتخابات ويصوتون لصالح حزب الشعوب الديمقراطي.
إن إعلان صلاح الدين دميرطاش مرشحًا رئاسيًا خلق جوًا إيجابيًا بصفة عامة. وثمة مدرس التقيت به في دياربكر، وهو عضو في نقابة التعليم والمعلمين، وقد تم تسريحه من عمله بموجب المراسيم ذات قوة القانون يعبر عن مشاعره هكذا:

“إن ترشيح الرئيس صلاح الدين دميرطاش للرئاسة شيء مختلف تمامًا. أعتقد أننا أصبنا روح 7 يونيو. هناك مشاكل في حزب الشعوب الديمقراطي، ولكن هذه المشاكل يمكن تجاوزها. فمجرد قيام المعارضة بحملة أو حملتين أظهرت مدى ضعف السلطة.
إننا كأكراد ننتظر مرحلة سوف تتجاوز 7 يونيو. كل شيء مرهون بموجة.”
وعلى الرغم من الإحباط والتعب يواصل الناس الصمود والتكاتف، والمقاومة بشكل ما. وفي شوارع سور أصادف موظفًا شابًا بشوش الوجه كان يعمل في قطاع الصحة، ولكنه سُرِّح من عمله بموجب المراسيم ذات قوة القانون، فيذكر أن “أخاه استشهد في روجافا” قبل بضعة أشهر، ويواصل حديثه قائلًا:

“أعتقد أن نتيجة الانتخابات ستكون إيجابية بالنسبة للأكراد. أجل، لقد عشنا سنوات سيئة جدًا، ولكننا قاومنا في تلك المرحلة أيضًا. إننا كأكراد نتمتع بروح مقاومة قوية للغاية. لقد بلغت الروح الحلقوم بالنسبة لنا جميعًا، فهذه السلطة أزعجتنا جميعًا. إن كل الفئات تأمل أن يرحل هؤلاء فننجو حينئذ. حتى التجار الصغار. أعتقد أن حزب الشعوب الديمقراطي سيتخطى بنجاح الحد الأدنى للأصوات في الانتخابات.”
في المنطقة تتضارب المشاعر ما بين أمل، ويأس، وسخط، وتعب، ومقاومة..
كل ذلك يبدو متداخلًا بعضه في بعض.

يمكن قراءة المقال باللغة التركية أيضاً: