التصنيفات
ahvalnews

آن الأوان لتغيير شكل النضال من أجل حقوق الإنسان

“لم تكن رأسه في مكانها.. ولم يتبق منه سوى فكه وبعض من شعر لحيته. تعرفت عليه من تلك الشعيرات. بحثت عن أسنانه، فأنا قادرة على تمييز أسنانه الكبيرة. لم تكن هناك جمجمة.”

“لقد اقتلعوا عيني ياسمين. هذا أكثر ما يشغل بالي. هل اقتلعوا عيني ابنتي وهي لا تزال حية؟”

“لقد مرت ثلاث سنوات، ولم أحصل حتى الآن على شعرة من رأس ابنتي. كانت طالبة في المدرسة الثانوية، لقد أحرقوها. أرجح أنهم قد ألقوا بما تبقى من جثتها في النهر. أتمنى لو أحصل على خصلة من شعرها.”

“محمد كان في العاشرة من العمر. لقد قُتل في يوم عيد ميلاده، كان نائما في سريره. أريد للعالم أن يعرف، ابني الصغير قُتل في سريره. هل تصدقون أن طفلا في العاشرة من العمر قد يكون إرهابيا؟ أريد للعالم بأسره أن يعرف قضية أم محمد.”

“لقد بقيت بقايا جثة سيدا في المطبخ حيث قُتل. لم يتمكن زوجي من الدخول إلى المطبخ لكي يستعيد جثته لمدة أسبوعين. هل تدركون ما الذي يعنيه أن يبقى جثمان على الأرض لمدة أربعة عشر يوما. تخيل أحد أحبائك وقد بقيت جثته في المطبخ وأنت لا تستطيع الدخول لحملها من الأرض.”

هل تجدون من بين هذه السيناريوهات ما تعجزون عن تصديقه؟

نحن في القرن الحادي والعشرين، حيث تجد تفسيرات حقوق الإنسان في مواضيع مطولة في الكتب. تجدها في القوانين والدساتير والمعاهدات الدولية.

لكن لم يكن بين هذه المعاهدات أو القوانين ما يحمي حق سيد أو ياسمين أو هاجر أو محمد أو سيدا في الحياة.

لم يكن بين هذه القوانين ما يمنع أحدهم من اقتلاع عيني ياسمين ابنة الخامسة عشر عاما، ولا من إحراق هاجر ابنة التاسعة عشر عاما وهي على قيد الحياة، ولا من ترك جثة سيدا وهو في عمر الحادية والسبعين على الأرض لأسبوعين كاملين، ولا من قتل الصغير محمد بالرصاص وهو نائم في سريره.

بين عامي 2015 و2016، عصفت العمليات الأمنية التي نفذها الجيش التركي في مدن كردية بحقوق الإنسان، ليس هذا فحسب، بل وبالمعتقدات والأديان والقوانين بعد أن نُحيت الإنسانية جانبا.

المثير أن البعض يجد لكل هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان تبريرا من كلمة واحدة: الإرهاب.

هل يمكن لدولة أن تقتلع عيني سجين؟ هل من الممكن حرق أحدهم حيا؟ هل يمكن أن تُترك جثة أحدهم ملقاة على الأرض لأشهر لتأكلها الضواري؟ هل يمكن إلقاء حقوق الإنسان في المزبلة في بلد ما ونحن في القرن الحادي والعشرين؟

بوصفي من المدافعين عن حقوق الإنسان، فلقد عشت حياتي وبداخلي يقين لا يتزعزع في الخير والسعادة والراحة لكل الناس. يقين في عالمية حقوق الإنسان، بل في كل ما يتعلق بإنسانيتنا المشتركة.

كانت هذه المعتقدات الأصيلة ما دفعني للذهاب إلى لاليش والموصل في العراق ولمساعدة النساء اليزيديات بعد الاعتداء عليهن من قبل تنظيم الدولة الإسلامية.

ذهبت إلى قرى تُركت ركاما لعشرات السنوات، وساعدت أهلها على إعادة بناء حياتهم.

الإيمان بإنسانيتنا المشتركة يمتد لأبعد من شعبي الكردي؛ لا أجد نفسي مسؤولة فقط عن الأكراد، بل عن اليزيديين والرومان وعن اليهود والأرمن وعن غيرهم وغيرهم.

أعتقد أن الكل في هذا العالم لديه إنسانية مشتركة مع آخرين.

لكن ما رأيته في العمليات العسكرية التركية في المدن الكردية في عامي 2015 و2016 جعلني أفكر.. أننا ربما لسنا جميعا في إنسانية مشتركة.

فبعضنا فقط على ما يبدو هم من يحملون في رأي البعض وصف البشر.

يبدو أن مفهوم حقوق الإنسان العالمية التي رفعناه شعارا طيلة حياتنا لم يكن سوى كذبة كبرى.

فحقوق الإنسان على ما يبدو ليست بأهمية السياسة اليومية والاستقطاب العقائدي. والبيان بأن حقوق الإنسان مكفولة للجميع لا يشمل من يتم إحراقهم حتى الموت في قبو في الجزيرة، ولا محمد ابن العاشرة الذي قُتل نائما في سريره في سيلوبي.

جعلوني أتذكر كل الأحاديث التي نقطت بها على مدى عشرات السنوات حين قلت إن حقوق الإنسان ليست مقصورة على الغرب فقط أو على الشرق فقط، بل هي حقوق للجميع. كنت مخطئة على ما يبدو، فحقوق الإنسان قاصرة على البعض دون غيرهم.

وحتى إن رفع البعض السلاح في وجه الدولة، قولوا لي: هل يمكن إحراق أشخاص أحياء في قبو ببرلين؟ تخيلوا معي جثة تُترك على الأرض في قلب الشارع 42 في نيويورك.

فكروا في امرأة في باريس تموت ابنتها، لكن لا يُسمح لها بدفت جثتها. لذا تضطر لترك جثة ابنتها في ثلاجة لمنع تحللها.

هل يمكن تخيل أن تُسوى مناطق في لندن بالأرض فيبقى سكانها عالقين بين الركام؟

تخيلوا السلطات في براغ وهي تدمر مناطق في المدينة وتقول إن بها 100 من الشباب المسلحين، مثلما فعلوا في منطقة سور، منطقتي التي تحمي منظمة اليونسكو تراثها الممتد لنحو سبعة آلاف عام في مدينة ديار بكر.

لقد حققت معركة الدفاع عن حقوق الإنسان بعض الانتصارات المهمة. فلقد أسفر هذا عن قيام مؤسسات ذات قيمة وكيانات نشطة في مختلف أنحاء العالم.

لقد كانت سببا في تشكيل روابط عالمية للتضامن، وهي روابط لعلها السبب وراء بقاء بعضنا واقفا على قدميه.

لكنها انتصارات غير مكتملة بأي شكل من الأشكال. وأنا أرفض نضالا لا يضع الناس في مقدمة أهدافه، نضال تتشكل مساراته وفقا لأهواء أشخاص هم أنفسهم ينتهكون حقوق الإنسان، نضال يفشل في إيصال صوت من لا صوت لهم ويحول كل شيء إلى مجرد أرقام.

لقد دُمرت بيوت، ومات أطفال. لا يمكن التعامل مع كل حالة وفاة باعتبارها مجرد رقم. لقد حان الوقت للتوقف عن اعتبار حقوق الإنسان مجرد أرقام.

لقد آن الأوان لتغيير شكل النضال في معركة حقوق الإنسان، وإعادتها إلى وضعها الملائم.