قبل نحو عام، التقى محام من جيزري بعدد قليل من أصدقائه في مقهى بالقرب من نهر دجلة. اتفقوا جميعاً على أنه يمكنهم أن يستغلوا استراحة من الضغط والاضطرابات التي وقعت في المدينة، والتي شهدت في الآونة الأخيرة اشتباكات عنيفة بين قوات الأمن والمتمردين الأكراد.
قاد هذا إلى تدشين جمعية جيزري لركوب الدراجات والطبيعة في أكتوبر 2017. وتنظم الجمعية أنشطة أسبوعية لركوب الدراجات وتحسين المناطق الحضرية حول هذه المدينة التي يعيش بها مئة ألف نسمة في جنوب شرقي تركيا، وقد ضمت العشرات من السكان المحليين إلى صفوفها.
وقال المحامي والمؤسس المشترك للجمعية “لقد أعادت لي روحي من جديد”.
ويرى المحامي أن ركوب الدراجات وسيلة للتكيف مع صدمة حظر التجول الذي فُرض أكثر من مرة على جيزري (جزيرة ابن عمر) وعلى المناطق المحيطة من قبل قوات الأمن التركية في عامي 2015 و2016 خلال الاشتباكات مع المتمردين الأكراد. وتعرضت جيزري لدمار كبير وتهدّم جزء كبير منها نتيجة لأعمال القتال هذه.
وبداية من أغسطس 2015، فُرض حظر التجول على البلدات والمدن التي يقطنها الأكراد بشكل أساسي في جنوب شرقي تركيا من أجل محاربة الميليشيات الكردية. واستمر حظر التجول الثاني في جيزري لمدة 79 يوماً، وانتهى في مارس 2016. وسُوي الحي بالأرض خلال تلك الفترة.
وأردف المحامي قائلاً “كنت أحلم بركوب الدراجات منذ طفولتي، لكن أسرتي قالت ‘لا’ من وجهة نظر مظهرية… ولم يكن يبدو لي من المناسب كمحام أن أذهب إلى دار القضاء راكباً دراجة. لكن هذه الجمعية ورياضة ركوب الدراجات صارا وسيلة للتعاطي مع صدمتي. المجتمع بحاجة لهذا أيضاً”.
وقالت الأمم المتحدة إن ما بين 355 ألفاً ونصف المليون شخص، ومعظمهم من الأكراد، نزحوا بسبب الاضطرابات. وخلال حظر التجول، لم يكن لدى جيزري ما يكفي من الطعام والماء. ولم يتلق المصابون الرعاية الطبية التي كانوا يحتاجون إليها.
وينتمي أعضاء نادي جيزري إلى مختلف الأطياف، ومن بينهم أكاديميون وإمام سابق وعمال محليات ومحامون وموسيقيون وعمال.
ووفقاً لمنظمة العفو الدولية المعنية بحقوق الإنسان، فقد فُصل نحو 130 ألفاً من موظفي القطاع العام في أنحاء البلاد من وظائفهم من خلال سلسلة من القرارات التنفيذية بسبب اتهامات بأنهم على صلة بالإرهاب، وذلك بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في يوليو 2016.
والتوترات على أشدها في أنحاء البلاد، لكن ليس في الجمعية. ويقول أحد الأعضاء “الجميع يُنَحّون هوياتهم السياسية جانباً عندما ينضمون إلى الجمعية”.
وقال عضو آخر إن المؤسسين كانوا يشاركون في حملات توعية اجتماعية قبل تأسيس النادي، لكن جمعية جيزري لركوب الدراجات والطبيعة بدأت “كوسيلة للهروب”. وجرى توسيع نطاق الجمعية في الوقت المناسب.
وقال عضو آخر “كنا نريد أن ننأى بأنفسنا عن موضوعات مثل البناء وأسعار المنازل ومناقشات أخرى بشأن المدينة بعد حظر التجول. بعد ذلك أدركنا كيف كان ذلك جيداً لنا، وكيف أننا وضعنا قلوبنا وأرواحنا في الجمعية”.
شرع الأعضاء في تجميل جيزري من خلال تنظيف شوارع المدينة، وترتيب مناسبات لزراعة الأشجار وبناء مسارات جديدة لركوب الدراجات، وهم يعملون حالياً على زيادة الوعي بشأن قضايا مهمة مثل البيئة.
شهد النادي بعض التراجع في البداية؛ لكن على الرغم من ذلك، تَقدّم بعض المعارضين حتى للحصول على العضوية، ووصل عدد الأعضاء إلى 35. ويقدم النادي أيضاً نموذجاً للمدن القريبة التي تعرضت لدمار مشابه، مثل سيلوبي وماردين. كما أن مشهد ركوب السيدات للدراجات له أثر آخر في المجتمعات التقليدية بالمنطقة، حيث يغير المفاهيم بشأن الكيفية التي ينبغي على المرأة أن تتحرك بها في الأماكن العامة.
ويبدو أن جميع أعضاء الجمعية يلتمسون طريق الاستشفاء من الجراح النفسية التي خلفها القتال. وقد خلقت جمعية جيزري لركوب الدراجات والطبيعة حياة جديدة في المنطقة – وربما هناك آخرون بحاجة إلى هذا النسيم الجديد. وتذكرنا مثابرة أعضاء النادي على إعادة بناء أنفسهم ومجتمعهم بأنه بعد كل كارثة ينبغي على شخص ما أن يهب ليضمد الجراح ويجمع الشتات ويصلح ما أفسده الدهر.