*As published in Ahvalnews on 22.12.2017
لا يتوافر لدينا سوى القدر الضئيل من المعلومات عن مدى تأثُّر السُريانيين، الذين هم من
الشعوب القديمة في المنطقة، بالحرب التي تدور في المنطقة خلال العامين الأخيرين.
نحن نعلم أن آلاف السريانيين قد خططوا تحت وطئة الحرب الدائرة للعودة إلى وطنهم الأم، وأنهم قد عادوا إلى قراهم التي خلت من سكانها لعشرات السنوات، نعلم كذلك أنهم قد عادوا خلال شهور الصيف على الأقل، وأنهم شيّدوا المنازل هناك كي تزيل عنهم وحشتهم وحنينهم.
كان من المألوف أن تلتقي في الفترة بين 2013-2014 وحتى النصف الأول من عام 2015، على الأقل، ببعض عائلات السريانيين كبيرة العدد على متن أي من الطائرات التي تهبط إلى ديار بكر.
لقد سيطر موضوع عودة السريانيين إلى أوطانهم على الإعلام مع عناوين مثل “السريانيون يعودون بعد أجيال”، ” السريانيون يعودون إلى منازلهم “، ” السريانيون يعودون بالاستثمار “…
كتبت جريدة “صباح” في عددها الصادر بتاريخ 2 إبريل 2013 خبراً أفردت له عناوين ضخمة عن “عودة السريانيين بالاسثمار”، وذكرت في تفصيل الخبر ما يلي:
“لقد بعثت عملية التوصل لحل للأزمة الأمل في نفوس السريانيين الذين يعيشون خارج الوطن. إن الذين يخططون للعودة، يفكرون كذلك في الاستثمار في المنطقة. وبدأت مؤسسات المجتمع المدني الموجودة في أوروبا كذلك العمل على جذب المستثمر إلى القطاع الجنوبي الشرقي.”
تحدث الخبر كذلك عن السريانيين الذين يفكرون في افتتاح فندق في ماردين والذين يفكرون بالعودة إلى أوطانهم باسثمارات أخرى مختلفة.
كم هو صعب أن نصدق أنه لم يمر على هذا كله سوى بضع سنوات!
كيف عاش السُريانيون هذين العامين الأخيرين أو على حد تعبير إحدى سيدات سور كيف عايشوا هذه “الحرب الهائلة”؟.
يعيش السريانيون في مركز مدينة إيديل فقط بين المدن التي أُعلن فيها حظر التجوال. فقد مُنِعَ السريانيون من العيش في وسط مدن جيزرا نصيبين وشرناق وصور ويوكسك أوفا وسلوبي.
بيد أنّ العمليات الدائرة ومنع السريانيين من الخروج إلى الشارع كانت السبب وراء تأجيل أحلام عودتهم إلى وطنهم الأم ومعيشتهم هناك إلى ربيع آخر. حدَّثني صديق سُرياني عن تلك الأيام بقوله:
“نُصيبين تُقصف بالقنابل، كنا لا نستطيع النوم في قرية باجوج من أصوات القنابل. لقد أرسلنا الأطفال ذلك الصيف إلى أوروبا.”
وكان لإفساح الحركة السياسية الكردية المجال للسريانيين والأرمن والأيزيديين وللشعوب الأخرى في برامج حزبهم وبين كوادرهم الأثر في وقوف غالبية المؤسسات السريانية على مقربة من الحركة السياسية الكردية.
ومع اشتداد وطئة الحرب وتحت تأثير الخوف والضغوط المتزايدة نأت المؤسسات السريانية على وجه الخصوص بنفسها عن الحركة السياسية الكردية. مما فتح الطريق لحدوث جدل بل وتمزق بين السريانيين. أما صديقي السرياني الذي التقيته، وكان شاهداً على هذه الأحداث عن كثب، فقال:
“أقول وبصراحة ليس بقدوري أن أتخيل أننا سننتظر الكثير في هذه المرحلة من شعب رأى بأم عينه عشرات المذابح الجماعية حتى نفذ الخوف إلى عظامه.”
لقد وُضِع النشطاء السريانيين الذين يساندون الحركة السياسية للأكراد تحت المراقبة. وسكتت أصوات الديمقراطية والمعارضة بين السريانيين.
تزايدات الضغوط علي الشعب السرياني. وكانت النتيجة أن بدأ السريانيون في النزوح مرة أخرى خارج وطنهم. فيُقال أن بين 15-20 عائلة سريانية قد عادوا مرة أخرى إلى أوروبا.
بدأت الضغوط التي عاشها السريانيون الذين سكنوا قرى طوررعبدين في التزايد بداية من التسعينات. لقد تحدثت في مقالة عن الضغوط التي مارسها الحراس في قرية دربوكه التابعة لمديات على أهل القرية الشهر الماضي حتى يتمكنوا من الاستيلاء على أراضيهم.
ولم تقتصر هذه الضغوط علي قرية دربوكه فحسب، فقد نالت عدد من القرى السريانية مثل عربو وكفلو وجوندامِشكه وغيرها نصيبها من هذه الضغوط.
وكان من بين الأخبار التي وردت حديثاً خبر قطع أشجار العنب الموجودة في الأراضي الزراعية التابعة للسريانيين بمنطقة باجوج على وجه الخصوص، والتي يقدر عمرها بمئات السنين تحت زعم الأمن.
وثمة تطور آخر وقع خلال فترة الحرب وهو الاستيلاء على الأملاك والبضائع المتبقية والتي تخص السريانيين. فنُقِلت ملكية ما يخص السريانيين من أوقاف وأملاك ومقابر الكنيسة إلى الخزانة تحت زعم قانون المدينة العظيم، ثم خُصّصت بعد ذلك للشئون الدينية.
وكان المبرر على ردود الأفعال، أنه حتى لو تم إلغاء قرار التخصيص للشئون الدينية، فستبقى مشكلة الملكية قائمة. وعلى الرغم من تصريح رئيس الشئون الدينية يلماز بأنه لم يتم وضع اليد على ممتلكات الأقليات، إلا أن الأمر بقي على النقيض من ذلك.
لأن الكنائس والأديرة لازالت حتى الآن تحت تصرف الخزانة.
لقد دُفِنَت مع هذه الحرب كنائس وقرى السُريانيين ومنازلهم التي بنيت حتى يستأنسوا بها صيفاً، دُفِنت جميعاً مرة أخرى تحت الصمت.
تلف الهموم السريانيين في قرى مار أفجين ومار يعقوب و باجوج ودير جزالكي وقاطو وجزناه وفي ظاظ ودربوكه… وفي لقاء لنا معه تحدث فريد صاج وهو سرياني من إيديل ويعيش في مدينة شتوتغارد الألمانية قائلاً:
“الكنيسة وطفولتي وذكرياتي هي الشيء الوحيد الذي يربطني بإيديل. أما بالنسبة لبلدي فليس عندي أي تصور عنها. لم يعد عندي ثمة أمل في العيش في وطني، في تورابدِن.
أعلم أن السريانيين قد أحضروا منذ فترة قريبة ناقوساً من الجالية وأهدوه إلى مور أفجين. إن ناقوس الدولة الأكبر هو ذلك الذك الذي يدق بشوق عنيد على الصمت في طور عبدين في الوطن. آمل أن يأتي اليوم الذي يلتقي فيه هنا الشعب المُشتت تماماً كما في ثمرة الرمان…
بين خوف ورجاء يلوح الوطن الآن، تلوح تورابدن للسريانيين من بعيد…