لا أستطيع أن أتذكر بالتحديد أول مرة سمعت فيها مصطلح “تركيا الجديدة”. فبعد عام 2010، بدأ حزب العدالة والتنمية الحاكم في استخدامه كثيرا. وخلال حملة الانتخابات الرئاسية عام 2014، قال رجب طيب أردوغان الذي كان رئيسا للوزراء وقتها إنه سيكون رئيس تركيا الجديدة.
وفي المؤتمر العام للحزب عام 2015، أعلن حزب العدالة والتنمية بروتوكوله لتركيا الجديدة:
قال الحزب “بما تملكه من ثراء ثقافي، وديمقراطية حرة، واقتصاد قوي، وتفاهم سياسي يستند على معايير إنسانية، ونسيج اجتماعي قوي، وموارد بشرية نشطة، وسياسة خارجية فعالة، فإن تركيا الجديدة عضو مشرف للإنسانية، وقوة صاعدة على مستوى العالم”.
دعنا ننظر هنا إلى ما تعنيه عبارة عضو مشرف للإنسانية وقوة صاعدة على مستوى العالم.
لا أود حقيقة أن أذكر عدد الناس الذين يقبعون في السجون بسبب معتقداتهم، ولا عدد الناس الذين أقيلوا من وظائفهم، والمنظمات الأهلية التي تم إغلاقها، والمنافذ الإعلامية التي أغلقت أيضا، والناس الذين قتلوا أو نزحوا من ديارهم في المنطقة الكردية، والجثث التي لم تحصل على مراسم دفن ملائمة.
لكنني سأعرض لكم بعض الأمثلة عن العناصر التي تشكل نسيج تركيا الجديدة.
قال وزير الداخلية سليمان صويلو في اجتماع خلال شهر يناير بشأن مكافحة المخدرات “إن من واجب الشرطي أو الشرطية إذا رأى تاجر مخدرات قرب مدرسة أن يكسر رجليه. وبوسعهما أن يلقيا باللوم علي”.
وقال قائد شرطة في إقليم أديامان بجنوب شرق البلاد إن كسر الأرجل ليس كافيا وإذا اقتضت الضرورة فينبغي أيضا تحطيم الرؤوس.
قال الإعلامي أحمد كيسر في قناة “أكيت تي.في” المؤيدة للحكومة الأسبوع الماضي:
“توجد مزاعم بأن جيش جمهورية تركيا يقتل مدنيين في عفرين (سوريا)…لماذا ؟ لماذا يتواجد الجيش التركي هناك إن لم يكن هناك مدنيون؟ لماذا يذهب الجيش التركي إلى هناك كي يقتل مدنيين؟ إن كنا ننوي قتل مدنيين لبدأنا ذلك في جيهانجير ونيشاتاشي وإتلير. أليس ذلك صحيحا؟ أعني أنه يوجد الكثير من الخائنين في تلك الأحياء من اسطنبول”، وذلك في إشارة إلى أحياء راقية في اسطنبول يقل فيها التأييد لحكومة حزب العدالة ذي التوجهات الإسلامية.
كيسر ليس أول شخص يتحدث علانية عن قتل آخرين في تركيا. الآلاف من المحرضين على وسائل التواصل الاجتماعي الذين يطلق عليهم اسم “محرضي حزب العدالة”، ويعتقد أنهم يتلقون تمويلا من الحزب، يوجهون لمعارضي الحكومة تهديدات صريحة بالقتل. كل يوم أتلقى تهديدا من أصحاب حسابات كهذه تكشف عن رغبتهم في قتلي واغتصابي وتعذيبي. كل شخص ينتقد صراحة سياسات حزب العدالة والتنمية يواجه الخطر داخل تركيا الجديدة.
توجد زيادة مقلقة في هذا النوع من الحديث. وفي الدستور، وهو جزء من تركيا القديمة، توجد قوانين تمنع الأحاديث التي تنطوي على كراهية وجرائم الكراهية. وللأسف، لا تقوم الحكومة بشيء تجاه أصحاب هذه الحسابات وما يقترفونه من تهديدات وجرائم كراهية. بل إن هذا السكون يشجع أفرادا عاديين على تهديد جيرانهم.
أمر آخر يميز تركيا الجديدة وهو الوشاية بالآخرين. فقبل أسابيع، احتجزت السلطات امرأة في حافلة باسطنبول وزج بها في السجن بعدما قرأ راكب رسائل على هاتفها وأبلغ الشرطة.
وهذه ليست الحالة الوحيدة، فالكثير من الناس في تركيا يخافون من التحدث في سيارات الأجرة خشية أن يشي بهم آخرون. وتوجيه انتقادات لأردوغان أو الحكومة في سيارة أجرة قد يسبب لصاحبه مشكلات كبيرة.
ركيزة مهمة جدا في تركيا الجديدة هي جسد المرأة. ففي كل يوم يوجه التلفزيون والساسة والأئمة والزعماء الدينيون وأنصار الحكومة نصائح عن الطريقة المثلى للمرأة في الحياة.
وفي الشهر الماضي، قالت مديرية الشؤون الدينية إنه بوسع الفتيات اللائي يبلغن من العمر تسعة أعوام الزواج. وفي الأسبوع الماضي، دافع زعيم جماعة إسلامية مؤيدية للحكومة يدعى مسلم جوندوز عن تقليد وأد البنات “القديم” وقال إن أذرع الأمهات العارية تغوي الأبناء.
وقال مدرس إن الفتيات اللائي يرتدين سترات تدريب يثرن الشهوة ويتجاوزن حدود الشريعة. وفي الأسبوع الماضي، قال رجل الدين نور الدين يلديز إنه لا ينبغي أن يختلط الذكور والإناث داخل المصاعد الكهربائية. وفي الأسبوع الماضي، انتقد أستاذ جامعي تركي في الدراسات الدينية الإبقاء على مرضى ذكور وإناث معا في وحدات الرعاية المركزة بالمستشفيات.
هذه صورة مصغرة عن تركيا الجديدة. ورغم خواصها العسكرية والذكورية والقومية والإسلامية والشمولية، لا يزال تتبقى بعض الأمور من تركيا القديمة. لكنني حين أنظر من النافذة ويمتد نظري إلى الدمار الذي لحق بمدينتي التي تخضع لشبه حظر تجول عسكري منذ عام 2015 أدرك القاسم المشترك بين تركيا القديمة والحديثة… وهو كراهية الأكراد.