عادة ما تصل التغييرات الكبرى في هدوء.
في يوم جميل من شهر سبتمبر عام 2016، في اليوم الثاني من عيد الأضحى، استيقظنا لندرك أن الحكومة التركية قد فصلت رؤساء البلديات الأكراد المنتخبين في مدينتين و25 مقاطعة في جنوب شرق البلاد وعينت مكانهم إداريين.
لن أنسى أبداً كيف اقتحم مسؤولو الدولة حيّا في سور، الحي المركزي القديم في ديار بكر، أكبر مدينة في جنوب شرق تركيا الذي تقطنه أغلبية كردية.
دخلوا بالدبابات والعربات المدرعة والجنود والشرطة. أولاً، أقيمت حواجز الشرطة حول مباني البلدية. ثم تم وضع العلم التركي الضخم أسفل واجهة مبنى رئاسة البلدية. تجمع قادة المجتمع المدني والنشطاء وعمال البلدية أمام مبنى البلدية للإدلاء ببيان صحفي. لكن الشرطة لم تسمح بذلك ونفذت عملية اعتقالات. في خضم الغضب، تردد صوت شاب في أذني. قال الشاب “نحن نتعرض للاحتلال”.
كانت هذه مجرد بداية. بعد شهر، في أكتوبر 2016، تم اعتقال رئيسي البلدية المشتركين لبلدية ديار بكر، غولتان كيشاناك وفرات أنلي، وتم تعيين مسؤول حكومي في مكانهما. تم تعيين مسؤولي الدولة في نهاية المطاف في 95 من 102 بلدية يغلب عليها الأكراد، ليحلوا محل المسؤولين المنتخبين.
تحولت مباني البلديات في جميع أنحاء المنطقة الكردية إلى مراكز للشرطة محاطة بالعربات المدرعة وضباط مدججين بالسلاح. كان الأمر كما لو أننا تعرضنا للغزو والاستعمار.
كان أول أمر للإداريين هو إغلاق جميع إدارات البلديات لشؤون المرأة. كما تم إغلاق المراكز النسائية في جميع أنحاء المنطقة، والتي استغرق إنشاء العديد منها سنوات، بما في ذلك مركز ديكسوم النسائي في ديار بكر وورشة بوكا باران النسائية في إرسيش ومركز سيتيا زين للاستشارات النسائية في الجزيرة ومركز ميا للنساء في سلوان ومركز شيجك للنساء في دارجيت ومركز بيلجين النسائي في ديريك.
وقد تم إغلاق حوالي 43 مركزاً نسائياً ومأوى للسيدات في جنوب شرق البلاد. عملت هذه المراكز على تمكين المرأة المحلية من خلال زيادة الوعي بالحقوق وتوفير الخدمات الاستشارية وورش العمل لإنتاج الأغذية والحرف اليدوية. كما قام الإداريون بتسريح سائقي الحافلات من النساء وإغلاق خطوط الهاتف الساخنة التي تستخدمها النساء للإبلاغ عن العنف المنزلي.
كما سعى الإداريون الذين عينتهم الدولة إلى محو كل شيء مرتبط بالثقافة الكردية. تم إغلاق مدارس الموسيقى الكردية والمراكز الفنية ومراكز اللغة الكردية ودور الحضانة للأطفال الأكراد والمسارح الكردية. تم إغلاق 21 مركزاً ثقافياً في المنطقة الكردية. تمت إزالة الأسماء الكردية لمدننا، مثل آمد، وهو الاسم الكردي لديار بكر، من اللوحات الإعلانية العامة.
تمت إزالة الأسماء الكردية من الحدائق العامة والشوارع ومن كل ركن من أركان مدننا. تمت إزالة لافتات الشوارع متعددة اللغات باللغات التركية والكردية والأرمنية واستعيض عنها بلوحات تركية فقط. أصبح كل شيء ثقافة واحدة وأمة واحدة وعلماً واحداً. كما قام الإداريون بمحو كل شيء عن التاريخ الكردي. تمت إزالة الآثار التي أقيمت لإحياء ذكرى السياسيين الأكراد القتلى والكتاب والمثقفين والأطفال الأكراد الذين أطلقت عليهم قوات الأمن النار. سعى الإداريون المعينون للقضاء على التراث الكردي لهذه الأراضي.
لم يتم تعيين الإداريين فقط للسيطرة على بلدياتنا، ولكن أيضاً للسيطرة على حياتنا. لقد فقدنا مراكزنا النسائية والمراكز الثقافية والمعالم الأثرية والمهرجانات الكردية والرموز الكردية ودور الأطفال والعديد من الأشياء التي جعلت لحياتنا قيمة.
إن الحواجز التي جاءت مع الحرب والإداريين لم تحاصر مدننا ومبانينا وحدائقنا فحسب، بل وحاصرت عقولنا أيضاً. في الواقع، تم حظر كل ما هو كردي.
في الانتخابات المحلية التي جرت في تركيا في الحادي والثلاثين من مارس، فاز مرشحون عن حزب الشعوب الديمقراطي المعارض المؤيد للأكراد بمعظم البلديات في المنطقة. في الأيام المقبلة، سيبدأ رؤساء البلديات الأكراد الجدد العمل وسيغادر مسؤولو الدولة بحواجزهم وأعلامهم وعرباتهم المدرعة.
مثل معظم الأكراد، لم أدخل مبنى أي بلدية في العامين ونصف العام الماضيين. لقد تجنبت السير بالقرب منها، إذ لم أرغب في رؤية بلديتي خلف حواجز الشرطة هذه.
لقد لاحظت اليوم أن حواجز الشرطة أمام مبنى البلدية قد تم إنزالها. حاولت أن أتذكر الوضع قبل أربع سنوات، أن أفكر في كل ما ضاع منذ ذلك الحين، كيف أن الصراع والإداريين أهلكوا مدننا وحياتنا.
أخفقت. لم أعد أستطع أن أتذكر كيف كانت الحياة قبل الحرب والإداريين. الآن لا يسعني إلا أن أعتقد أننا لن نسترجع أبداً ما أخذ منا.